للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى دَارَيَّا قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى دِمَشْقَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ وَمِائَتَيْنِ (رُبَّمَا تَقَعُ) بِطَرِيقِ الْفَيْضِ (فِي قَلْبِي النُّكْتَةُ) الدَّقِيقَةُ مِنْ غَوَامِضِ الْأَسْرَارِ وَمُنَازَلَاتِ الْأَخْيَارِ وَتَجَلِّيَاتِ الْأَنْوَارِ (مِنْ نُكَتِ الْقَوْمِ) أَيْ الصُّوفِيَّةِ جَمْعُ نُكْتَةٍ مِنْ النُّكَتِ وَهُوَ أَنْ يَنْكُتَ فِي الْأَرْضِ بِقَضِيبٍ أَيْ يَضْرِبُ فَيُؤَثِّرُ فِيهَا وَالنُّكْتَةُ كَالنُّقْطَةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرِيِّ وَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَنْكُتُ فِي الْقَلْبِ أَيْ تُؤَثِّرُ فِيهِ بِلُطْفِ بَلَاغَتِهَا (أَيَّامًا) الظَّاهِرُ التَّنْوِينُ لِلتَّكْثِيرِ (فَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَلْبِي (إلَّا بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ) ثِقَتَيْنِ (مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) بَيَانٌ لِلشَّاهِدَيْنِ، فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مُطْلَقًا أَوْ عَدْلُ الْكِتَابِ مَا يَكُونُ تَوَاتُرًا دُونَ قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ وَكَانَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى عَلَى وَجْهِ الظُّهُورِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْخَفَاءِ وَعَدْلُ السُّنَّةِ هُوَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ دُونَ الضَّعِيفَةِ.

وَقِيلَ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ فِي الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِعَدَمِ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ إذْ الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَأَوْرَدَ الْعَلَّامَةُ الدَّوَانِيُّ أَنَّ مَآلَ الْفَضَائِلِ رَاجِعٌ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا وَجْهَ لِتَقْيِيدٍ كَالْجَوَازِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ نَحْوِ الِاسْتِحْبَابِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ لَا يَثْبُتُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ رِوَايَةِ الضَّعِيفِ فِيمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ فِي فَضِيلَةِ شَيْءٍ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُحَقِّقُ هَذَا إرَادَةَ مَعْنًى مِنْ لَفْظٍ لَا يَتَحَمَّلُهُ عَلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ فِيمَا لَمْ يَثْبُتْ بِالصَّحِيحِ جَائِزَةٌ مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى ضَعْفِهِ، وَالتَّعْوِيلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَحْتَمِلْ لِلْحَظْرِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَمْنِ مِنْ الْحَظْرِ وَرَجَاءِ النَّفْعِ فَعُمِلَ بِالِاحْتِيَاطِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّقْلِ أَيْضًا صَرِيحُ الرَّدِّ لَهُمْ فِي أَنَّهُمْ ادَّعَوْا مُتَارَكَةَ الشَّرِيعَةِ فِي الْوُصُولِ وَمِمَّا نُقِلَ عَنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِيَ فِي لَيْلِهِ وَمَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِيَ فِي نَهَارِهِ وَمَنْ صَدَقَ فِي تَرْكِ شَهْوَةٍ ذَهَبَ اللَّهُ بِهَا مِنْ قَلْبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا تَرَكَ شَهْوَةً لَهُ وَأَيْضًا إذَا سَكَنَتْ الدُّنْيَا الْقَلْبَ تَرَحَّلَتْ مِنْهُ الْآخِرَةُ.

وَقَالَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ خِلَافُ هَوَى النَّفْسِ وَقَالَ لِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمٌ وَعِلْمُ الْخِذْلَانِ تَرْكُ الْبُكَاءِ وَلِكُلِّ شَيْءٍ ضِدٌّ وَضِدُّ نُورِ الْقَلْبِ شِبَعُ الْبَطْنِ وَكُلُّ مَا شَغَلَك عَنْ اللَّهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ فَهُوَ عَلَيْك شُؤْمٌ.

(وَقَالَ) أَبُو الْفَيْضِ (ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) اسْمُهُ ثَوْبَانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَذُو النُّونِ بِمَعْنَى صَاحِبِ الْحُوتِ وَجْهُ التَّسْمِيَةِ أَنَّهُ ضَاعَ مِنْ أَهْلِ سَفِينَةٍ جَوْهَرٌ نَفِيسٌ فَأُسْنِدَ إلَيْهِ سَرِقَتُهُ وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِحَلِفِهِ فَلَمَّا اُضْطُرَّ تَوَجَّهَ سَاعَةً فَأَتَى حُوتٌ مِنْ الْبَحْرِ بِذَلِكَ الْجَوْهَرِ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (وَمِنْ عَلَامَاتِ الْمَحَبَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَابَعَةُ حَبِيبِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ (فِي أَخْلَاقِهِ) ، فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَخْلَاقِ.

قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤] وَقَدْ سَبَقَ بَعْضُ تَفْصِيلِ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَأَفْعَالِهِ) عِبَادَةً أَوْ عَادَةً دُونَ الْخَوَاصِّ وَالزَّلَّاتِ وَالْخَطَأِ إنْ وُجِدَتْ (وَأَوَامِرِهِ) فِعْلًا أَوْ تَرْكًا قَطْعًا أَوْ ظَنًّا (وَسُنَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ مَتْلُوًّا أَوْ غَيْرَ مَتْلُوٍّ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، فَإِنَّهُ مَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى - {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]-، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ صِدْقِ دَعْوَى الْمَحَبَّةِ قَالَ تَعَالَى - {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]-

قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ مَحَبَّةُ اللَّهِ إمَّا فَرْضٌ هُوَ مَحَبَّةٌ تَبْعَثُ عَلَى امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَتَرْكِ الْمَنَاهِي فَمَنْ وَقَعَ فِي مُحَرَّمٍ فَلِتَقْصِيرِهِ فِي مَحَبَّتِهِ تَعَالَى حَيْثُ قَدَّمَ هَوَى نَفْسِهِ عَلَى رِضَا رَبِّهِ، وَالتَّقْصِيرُ يَكُونُ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا فَيُورِثُ شُغْلُهَا الْغَفْلَةَ وَإِمَّا نَدْبٌ هُوَ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى النَّوَافِلِ وَيَجْتَنِبَ الْوُقُوعَ فِي الشُّبُهَاتِ.

وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِيمَا يَرْوِي عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ» فَاسْتُشْكِلَ بِحَدِيثِ «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ» الْحَدِيثُ حَيْثُ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>