للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوَافِلُ مُنْتِجَةَ الْمَحَبَّةِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَكَوْنِ النَّوَافِلِ مُكَمِّلَةً لَهَا أَوْ بِأَنَّ النَّوَافِلَ لِمُجَرَّدِ الْمَحَبَّةِ وَالْفَرَائِضَ لِخَوْفِ الْعِقَابِ، فَإِنْ قِيلَ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مُرْتَكِبَ مَعْصِيَةٍ سِيَّمَا كَبِيرَةً لَيْسَ لَهُ مَحَبَّةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ لُعِنَ شَارِبُ خَمْرٍ لَا تَلْعَنُوهُ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .

فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قُلْنَا الْعَلَامَةُ لَيْسَتْ بِدَلِيلٍ مُسْتَلْزِمٍ بَلْ قَدْ تَتَخَلَّفُ أَوْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُتَابَعَةِ مَثَلًا عَلَامَةً كَوْنُ تَرْكِ الْمُتَابَعَةِ مُسْتَلْزِمًا لِعَدَمِ الْمَحَبَّةِ أَوْ الْمُرَادُ كَمَالُ الْمَحَبَّةِ وَمِنْ الْحِكْمَةِ الشَّرِيفَةِ مَدَارُ الْكَلَامِ عَلَى أَرْبَعٍ حُبُّ الْجَلِيلِ وَبُغْضُ الْقَلِيلِ وَاتِّبَاعُ التَّنْزِيلِ وَخَوْفُ التَّحْوِيلِ وَمِنْهَا لَا تَسْكُنُ الْحِكْمَةُ مَعِدَةً مُلِئَتْ طَعَامًا وَمِنْهَا تَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذُّنُوبِ وَتَوْبَةُ الْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ.

(وَقَالَ) أَبُو نَصْرٍ (بِشْرٌ الْحَافِيُّ) أَصْلُهُ مِنْ مَرٍّ وَسَكَنَ بِبَغْدَادَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لِي يَا بِشْرُ هَلْ تَدْرِي بِمَ رَفَعَك اللَّهُ تَعَالَى» فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ «مِنْ بَيْنِ أَقْرَانِك» قِيلَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرِّفْعَةَ بَيْنَ الْأَقْرَانِ لَا عَلَى الْأَعْلَى فَطَلَبُهُ مِنْ الْإِفْرَاطِ «قُلْت لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ» أَيْ لَا أَعْرِفُ سَبَبَ الرِّفْعَةِ.

«قَالَ» رَفَعَك اللَّهُ «بِاتِّبَاعِك لِسُنَّتِي وَخِدْمَتِك» بِرُوحِك وَقَوْلِك وَجَسَدِك وَبِتَأْوِيلِ مَا يُرَى خَطَأٌ مِنْهُمْ وَبِتَحَمُّلِ أَذَاهُمْ وَزِيَارَتِهِمْ لِاسْتِفَاضَةِ أَنْوَارِهِمْ «لِلصَّالِحِينَ» وَالصَّالِحُ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ حَسَبَ الطَّاقَةِ، فَإِنَّ خِدْمَتَهُمْ مِنْ مَحَبَّتِهِمْ وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت» وَعَنْ الشَّيْخِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَمْ أَزِلَّ أَبَدًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أُجَاهِدُ الْفُقَهَاءَ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ السَّادَةِ حَقَّ الْجِهَادِ وَأَذُبُّ عَنْهُمْ وَأَحْمِي وَبِهَذَا فَتَحَ لِي وَمَنْ ذَمَّهُمْ، فَإِنَّهُ لَا خَفَاءَ فِي جَهْلِهِ وَلَا يُفْلِحُ أَبَدًا (وَنَصِيحَتِك لِإِخْوَانِك) الْمُسْلِمِينَ تَقْيِيدُهُ بِالْإِخْوَانِ إشَارَةٌ إلَى تَقَوِّي سَبَبِ النَّصِيحَةِ وَإِلَى الِاهْتِمَامِ فِيهَا (وَمَحَبَّتِك لِأَصْحَابِي) كُلِّهِمْ مِنْ غَيْرِ طَعْنٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعَ السُّكُوتِ عَمَّا وَقَعَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْحُرُوبِ وَالْمُخَاصَمَاتِ.

(وَأَهْلِ بَيْتِي) أَيْ ذُرِّيَّتِي وَأَقْرِبَائِي مِنْ أَوْلَادِ فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ وَجَعْفَرٍ وَعَقِيلٍ وَأَوْلَادِ الْعَبَّاسِ وَحَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (وَهُوَ) هَذَا الْمَجْمُوعُ (الَّذِي بَلَّغَك) وَأَوْصَلَك (مَنَازِلَ الْأَبْرَارِ) مِنْ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْمُكَاشَفَاتِ، فَإِنْ قِيلَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّقْلِ كَمَا عَرَفْت إلْزَامُ هَؤُلَاءِ الْمُتَصَوِّفَةِ الَّذِينَ نَفَوْا فِي الْوُصُولِ الِاحْتِيَاجَ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ حَصَرُوهُ بِرَفْضِ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ السُّنَّةُ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ آنِفًا أَنَّ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعْرِفَةِ وَأَنَّهَا وِجْدَانِيَّةٌ لَا تَصْلُحُ إلْزَامًا لِلْغَيْرِ قُلْنَا إنَّهُ جَوَابٌ إلْزَامِيٌّ لَا تَحْقِيقِيٌّ إذْ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مِنْ الْحُجَجِ وَأَنَّ الْمَنْفِيَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقَامِ الْبُرْهَانِيِّ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خِطَابِيًّا وَأَيْضًا إذَا أَتْقَنْت مَا فَصَّلْنَا سَابِقًا لَا تَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ قِيلَ إنَّهُ اشْتَهَى الْبَاقِلَاءَ سِنِينَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَرُئِيَ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِك فَقَالَ غَفَرَ لِي رَبِّي وَقَالَ كُلْ يَا مَنْ لَمْ يَأْكُلْ وَاشْرَبْ يَا مَنْ لَمْ يَشْرَبْ وَرُوِيَ عَنْهُ إنِّي لَأَشْتَهِي الشِّوَاءَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا صَفَا لِي ثَمَنُهُ وَقِيلَ لَهُ بِأَيِّ شَيْءٍ تَأْكُلُ فَقَالَ أَذْكُرُ الْعَاقِبَةَ فَأَجْعَلُهَا إدَامِي.

وَقَالَ بِشْرٌ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الْآخِرَةِ رَجُلٌ يُحِبُّ أَنْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ (وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ) أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى (الْخَرَّازُ) مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كُلُّ بَاطِنٍ) أَيْ عِلْمٍ بَاطِنٍ وَهُوَ التَّصَوُّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>