فَكَلَّفُوهُ عَلَيْهِ وَقَامَ وَمَشَى عَلَيْهِ خُطْوَتَيْنِ وَغَرِقَ فِي الثَّالِثَةِ فَلَمْ يَجِدْهُ الْغَوَّاصُ فَلَمَّا رَآهُ الْأَحْبَارُ أَسْلَمُوا لِلَّهِ فَسَمِعَ قَيْصَرُ وَشَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا لَاضْمَحَلَّ دِينُنَا
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عِصْمَةُ الْوَلِيِّ كَمَا تَجِبُ عِصْمَةُ النَّبِيِّ لَكِنَّ عِصْمَتَهُ بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا لَا تَصْدُرُ عَنْهُ زَلَّةٌ أَصْلًا وَلَا امْتِنَاعَ مِنْ صُدُورِهَا وَقِيلَ لِلْجُنَيْدِ هَلْ يَزْنِي الْعَارِفُ فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ.
وَقَالَ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: ٣٨] (وَلَا يَبْلُغُ) أَيْ لَا يَصِلُ الْوَلِيُّ (دَرَجَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) قَالَ الْقُشَيْرِيُّ لِلْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا أَبُو يَزِيدَ الْبِسْطَامِيُّ قَالَ مَا حَصَلَ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمِثْلِ زِقٍّ فِيهِ عَسَلٌ تَرْشَحُ مِنْهُ قَطْرَةٌ فَتِلْكَ الْقَطْرَةُ مِثْلُ مَا لِجَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ وَمَا فِي الظَّرْفِ مِثْلُ مَا لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ النَّبِيَّ مَعْصُومٌ عَنْ الذَّنْبِ وَخَوْفِ الْخَاتِمَةِ وَمُكَرَّمٌ بِالْوَحْيِ فَمَا جَوَّزَهُ بَعْضُ الْكَرَّامِيَّةِ مِنْ تَفْضِيلِ الْوَلِيِّ كُفْرٌ نَعَمْ قَدْ يَتَرَدَّدُ بِأَنَّ جِهَةَ الْوِلَايَةِ مِنْ النَّبِيِّ أَفْضَلُ أَوْ جِهَةَ نُبُوَّتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ.
وَمَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمُتَصَوِّفَةِ بِتَعَلُّمِ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ الْخَضِرِ وَلَا شَكَّ فِي فَضْلِ الْمُعَلِّمِ فَأُجِيبُ: أَوَّلًا بِكَوْنِ الْخَضِرِ نَبِيًّا، وَثَانِيًا بِأَنَّهُ ابْتِلَاءٌ لِمُوسَى وَلَوْ سَلِمَ فَيُمْنَعُ فَضْلُ الْمُعَلِّمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ قَدْ يَكُونُ الْمُتَعَلِّمُ أَفْضَلَ، وَثَالِثًا بِمَنْعِ كَوْنِ مُوسَى هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ نَبِيًّا لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُولُونَ هُوَ مُوسَى بْنُ مَاثَانَ لَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ (وَلَا) يَصِلُ الْوَلِيُّ أَيْضًا فِي مَقَامِ الْقُرْبِ (إلَى حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْأَمْرُ) بِالْمَعْرُوفِ (وَالنَّهْيُ) لِعُمُومِ الْخَطَابِيَّاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute