للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْتَسِلُوا» خِطَابٌ لِلْعَائِنِ يَعْنِي إذَا طَلَب الْمَعْيُونُ مِمَّنْ يَتَّهِمُ أَنَّهُ عَائِنٌ غَسْلَ أَطْرَافِهِ وَمَا تَحْتَ إزَارِهِ لِيَصُبَّ غُسَالَتَهُ عَلَيْهِ فَلْيَفْعَلْ الْعَائِنُ ذَلِكَ نَدْبًا وَقِيلَ وُجُوبًا؛ لِأَنَّ تِرْيَاقَ سَمِّ الْحَيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا يُؤْخَذُ عِلَاجُ ذَلِكَ مِنْهُ فَفِي الِاغْتِسَالِ إطْفَاءٌ لِذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ لِلْمُنْكِرِ وَلَا لِمَنْ يَفْعَلُ لِلتَّجْرِبَةِ قَالَ الْحُكَمَاءُ فِي وَجْهِهِ إنَّ الْقُوَّةَ السُّمَيَّةَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِ الْعَائِنِ إلَى الْمُعِينِ نَفْسًا أَوْ مَالًا فَيَهْلَكُ، وَقِيلَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَبْعَثَ جَوَاهِرَ لَطِيفَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ إلَى الْمُعَيَّنِ فَيَهْلِكُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَفْهُومُ مِنْ حَدِيثِ: «الْعَيْنُ حَقٌّ يَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ، وَحَسَدُ ابْنِ آدَمَ» أَنَّ السَّبَبَ إعْجَابُ الشَّيْطَانِ بِلَا رُجُوعٍ إلَى اللَّهِ وَحَسَدُ ابْنِ آدَمَ بِغَفْلَتِهِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى

(تَنْبِيهٌ) نُقِلَ عَنْ بَعْضٍ مَنْعُ الْعَائِنِ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَلُزُومِ بَيْتِهِ كَالْمَجْذُومِ بَلْ أَوْلَى وَنَفَقَةُ الْفَقِيرِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَفُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ رَتَّبُوا وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ بِهَا أَقُولُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سِيَّمَا حَدِيثُ «الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ وَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ» .

(فَائِدَةٌ) أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِأَنَّ سَعِيدًا النَّاجِيَّ قَالَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا حِينَ قِيلَ لَهُ: احْفَظْ نَاقَتَك مِنْ فُلَانٍ الْعَائِنِ فَعَانَهَا فَاضْطَرَبَتْ فَأُخْبِرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ حَبْسٌ حَابِسٌ وَشِهَابٌ قَابِسٌ رَدَدْت عَيْنَ الْعَائِنِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَحَبِّ النَّاسِ إلَيْهِ، وَعَلَى كَبِدِهِ وَكُلْوَتَيْهِ رَشِيقٌ، وَفِي مَالِهِ يَلِيقُ {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك: ٣] الْآيَةَ.

فَخَرَجَتْ حَدَقَتَا الْعَائِنِ وَسَلِمَتْ النَّاقَةُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَشُرُوحِهَا مِنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِهِ وَقِيلَ: «حِينَ أَصَابَتْ الْعَيْنُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَّمَ جَبْرَائِيلُ النَّبِيَّ التَّعْوِيذَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ، وَهِيَ: اللَّهُمَّ ذَا السُّلْطَانِ الْعَظِيمِ، وَالْمَنِّ الْقَدِيمِ، وَالْكَلِمَاتِ التَّامَّاتِ، وَالدَّعَوَاتِ الْمُسْتَجَابَاتِ عَافِ الْحَسَنَ، وَالْحُسَيْنَ مِنْ أَنْفُسِ الْجِنِّ وَأَعْيُنِ الْإِنْسِ فَقَالَهَا لَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَامَا يَلْعَبَانِ» .

وَفِي الشِّرْعَةِ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ أَمَرَ بِتَسْوِيدِ حُفْرَةِ ذَقَنِ صَبِيٍّ مَلِيحٍ، وَفِيهِ عَنْهُ أَيْضًا أَمَرَ الْعَائِنَ بِالْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ لِيَغْتَسِلَ بِهِ الْمُعَيَّنُ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ نَصْبِ عِظَامِ الرُّءُوسِ فِي الْمَزَارِعِ، وَالْكُرُومِ لِيَتَعَلَّقَ عَلَيْهَا نَظَرُ الْعَائِنِ ابْتِدَاءً فَتَنْكَسِرُ سَوْرَةُ عَيْنِهِ.

وَفِي الشِّرْعَةِ أَيْضًا: وَالسُّنَّةُ لِمَنْ خَافَ مِنْ نَفْسِهِ إصَابَةَ عَيْنِهِ أَنْ يَقُولَ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، ثُمَّ تُبَارِكَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ بَارَكَ اللَّهُ فِيك وَعَلَيْك.

(وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ) مِنْ الِاجْتِهَادِ وَظَاهِرُ كَلَامِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ جَرَيَانُ الِاجْتِهَادِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ، وَالشَّرْعِيَّاتِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْفَرْعِيَّةِ.

وَفِي التَّلْوِيحِ عَدَمُ شُمُولُهُ إلَى الْأُصُولِ، وَالْعَقَائِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا بِمُنَاسِبِ كُلٍّ مِنْ الْفَنَّيْنِ (مُصِيبٌ ابْتِدَاءً) أَيْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْحُكْمِ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُخْتَارُ.

وَعِنْدَ الْبَعْضِ قِيلَ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ أَبِي مَنْصُورٍ مُصِيبٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَقَوْلُهُ (بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ) يَكُونُ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ: ابْتِدَاءً لِبَذْلِ تَمَامِ وُسْعِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَرَعْيِ شَرَائِطِهِ، وَمِنْ هُنَا لَا يُعَاتَبُ الْمُخْطِئُ بَلْ مَأْجُورٌ إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الصَّوَابِ بَيِّنًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْكُمُ عَلَى أَنَّك إنْ أَصَبْت فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأْت فَلَكَ حَسَنَةٌ» (وَقَدْ يُخْطِئُ فِي الِانْتِهَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ) كَالتَّفْسِيرِ لِلِانْتِهَاءِ (لِأَنَّ الْحَقَّ) عِنْدَ اللَّهِ (وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ) لَا مَا أَدَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>