للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْآخَرِ فَضِدَّانِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهُمَا يُكَذَّبَانِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَاتِّصَافِهِ بِالْوَسَطِ كَالْجِسْمِ الْأَحْمَرِ مَثَلًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَعَقُّلُ أَحَدِهِمَا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ الْآخَرِ فَمُضَافَانِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ وَهُمَا أَيْضًا يُكَذَّبَانِ لِخُلُوِّ الْمَحَلِّ عَنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وُجُودِيًّا وَالْآخَرُ عَدَمِيًّا فَإِنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْمَوْضُوعِ مُسْتَعِدًّا لِلِاتِّصَافِ بِالْوُجُودِيِّ بِحَسَبِ شَخْصِهِ كَالْأَعْمَى أَوْ نَوْعِهِ كَالْأَكْمَهِ أَوْ جِنْسِهِ كَالْعَقْرَبِ فَعَدَمٌ وَمَلَكَةٌ حَقِيقَةٌ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ كَوْنُ الْمَوْضُوعِ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِهِ فَمَلَكَةٌ وَعَدَمٌ مَشْهُورَانِ وَهُمَا يُكَذَّبَانِ لِعَدَمِ الْمَوْضُوعِ أَوْ عَدَمِ اسْتِعْدَادِهِ لَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَسَلْبٌ وَإِيجَابٌ كَالْإِنْسَانِ وَاللَّا إنْسَانِ وَهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ وَلَا يُكَذَّبَانِ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ النَّقِيضَيْنِ وَارْتِفَاعَهُمَا مُحَالَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِنْكَارَ لَيْسَ بِوُجُودِيٍّ فَلَا يَكُونُ تَقَابُلُ تَضَادٍّ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَحْوَ الْجَهْلِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ وُجُودِيَّتِهِ لَا يَرِدُ إشْكَالُ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ جَمْعِ التَّعْرِيفِ ثُمَّ أَقُولُ هَذَا الْبَحْثُ لَا يَحْسُنُ عَلَى وَظِيفَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْتِزَامِهِ وَعَادَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَلَا يُعْلَمُ لِحُسْنِهِ دَاعٍ حَسَنٌ (وَالْكُفْرُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ)

لَمَّا عَرَّفَ الْكُفْرَ وَبَيَّنَ مَاهِيَّتَه أَوَّلًا أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ ثَانِيًا الْأَوَّلُ (جَهْلِيٌّ) لِتَسَبُّبِهِ عَنْ الْجَهْلِ (وَسَبَبُهُ عَدَمُ الْإِصْغَاءِ) وَالِاسْتِمَاعِ بِالسَّمْعِ (وَالِالْتِفَاتِ) بِالْبَصِيرَةِ وَالنَّفْسِ (وَالتَّأَمُّلِ فِي الْآيَاتِ) الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ (وَالدَّلَائِلِ) الْعَقْلِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ (كَكُفْرِ الْعَوَامّ وَالْجَهْلُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (هُوَ الثَّانِي مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ) بِمَعْنًى يَعُمُّ الْكُفْرَ وَغَيْرَهُ يَعْنِي عَدَمَ عِلْمِ مَا يَجِبُ الْعِلْمُ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْجَهْلُ (عَدَمُ الْعِلْمِ عَمَّنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا) فَبَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ تَقَابُلُ عَدَمٍ وَمَلَكَةٍ (وَهُوَ نَوْعَانِ) جَهْلٌ (بَسِيطٌ) أَيْ غَيْرُ مُرَكَّبٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَعْلَمُ جَهْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ اعْتِقَادٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ (وَأَصْحَابُهُ كَالْأَنْعَامِ) كَالْبَهَائِمِ لِفَقْدِهِمْ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ وَالْمَفْعُولُ مَذْكُورٌ بِقَوْلِهِ (مَا بِهِ يَمْتَازُ الْإِنْسَانُ عَنْهَا) عَنْ الْأَنْعَامِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) مِنْ تِلْكَ الْأَنْعَامِ لَكِنَّ نِسْبَةَ أَصْلِ الضَّلَالَةِ إلَى الْأَنْعَامِ يَقْتَضِي أَنْ يُرَادَ مِنْ الضَّلَالَةِ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ الْمَشْهُورِ

كَمَا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (لِتَوَجُّهِهَا) أَيْ الْأَنْعَامِ (نَحْوَ كَمَالَاتِهَا) الَّتِي تَقْتَضِيهَا طَبِيعَتُهَا النَّوْعِيَّةُ فَإِنَّ الْأَنْعَامَ تُبْصِرُ مَنَافِعَهَا فَتُلَازِمُهَا وَمَضَارَّهَا فَتَجْتَنِبُهَا بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ هَذَا الْعَارَ الَّذِي هُوَ أَقْبَحُ الْقَبَائِحِ وَلَا يَسْعَى إلَى تَحْصِيلِ مَنَافِعِهِ الَّتِي هِيَ الْمَعْرِفَةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: ١٧٩]- وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَلْمِيحٌ إلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>