للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِلْمِ) عِنْدَ بَيَانِ مُرَادِ الْعِمَادِيِّ بِقَوْلِهِ: مُرَادُهُ بِالتَّوَكُّلِ كَمَالُهُ؛ إذْ أَصْلُهُ فَرْضٌ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا خَالِقَ وَلَا مُؤَثِّرَ فِي شَيْءٍ إلَّا اللَّهُ - تَعَالَى -

وَلَمَّا بَيَّنَ الْأَمَلَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَشَرْطِ صَلَاحٍ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْأَمَلَ بِهِمَا فَقَالَ (وَأَمَّا) (إرَادَةُ طُولِ الْحَيَاةِ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَشَرْطِ الصَّلَاحِ) نَحْوُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي» (لِزِيَادَةِ الْعِبَادَةِ) كَالتَّفْسِيرِ لِلصَّلَاحِ وَإِلَّا فَكَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ (فَلَيْسَ بِأَمَلٍ مَذْمُومٍ) كَيْفَ وَالدَّرَجَاتُ الْعَالِيَةُ وَالْمَقَامَاتُ الرَّفِيعَةُ فِي الْجَنَّةِ مَنُوطَةٌ عَلَى قَدْرِ الْعِبَادَةِ كَمَا رُوِيَ «اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِفَضْلِي وَاقْتَسِمُوهَا عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِكُمْ» (بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ) كَمَا فِي الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ آنِفًا (ت) التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَبُو بَكْرَةَ بِالتَّاءِ كُنْيَةٌ لِنُفَيْعِ بْنِ الْحَارِثِ غَلَبَ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَهِيَ أُمُّ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي اسْتَلْحَقَهُ مُعَاوِيَةُ أَخًا وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَوَالِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟» أَيْ أَكْثَرُ فَضِيلَةً عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَعْظَمُ مَقَامًا وَأَجْرًا «قَالَ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَوَابِهِ «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ» بِضَمِّ الْمِيمِ الْعُمُرُ امْتِدَادٌ وَهْمِيٌّ مِنْ مَبْدَأٍ مَوْهُومٍ إلَى مُنْتَهًى، كَذَلِكَ عَلَى قَاعِدَةِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَيُفَسَّرُ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَتَصَوُّرِ الطُّولِ فِي الْعُمُرِ مَعَ أَنَّهُ وَهْمِيٌّ وَالطُّولُ يَقْتَضِي الْوُجُودَ، مُحَرَّرٌ عِنْدَ حَدِيثِ الصَّدَقَةِ تَرُدُّ الْبَلَاءَ وَتَزِيدُ الْعُمُرَ وَلَا يَزِيدُ الْعُمُرَ إلَّا الْبِرُّ، وَقَدْ فَصَّلْنَاهُ بِرِسَالَةٍ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِمَنِّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَنَّ الطُّولَ هُنَا مَا يَكُونُ فِي نَفْسِهِ تَأَمَّلْ «وَحَسُنَ عَمَلُهُ» بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكْثُرُ حَسَنَاتُهُ وَيُرْفَعُ دَرَجَاتُهُ وَيَزِيدُ إلَى اللَّهِ قُرْبُهُ، وَعَنْ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ الْأَوْقَاتُ كَرَأْسِ الْأَمْوَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ لِمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ «قَالَ» السَّائِلُ «فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» بِالشُّرُورِ وَالْقَبَائِحِ وَارْتِكَابِ الْفَضَائِحِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا» .

، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى «خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا إذَا سَدَّدُوا» .

وَمِنْ أَحَادِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «طُوبَى لِمَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» قَالَهُ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَ: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَوْتُ الْإِنْسَانِ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ وَعَرَفَ رَبَّهُ خَيْرٌ مِنْ مَوْتِهِ طِفْلًا بِلَا حِسَابٍ فِي الْآخِرَةِ.

فِي الْمُنَاوِيِّ عَنْ الطِّيبِيِّ (حدهق) أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ (عَنْ جَابِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ» قَالَ الْمُنَاوِيُّ: فَيُكْرَهُ ذَلِكَ أَوْ يَحْرُمُ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ جَزِيلِ الْفَوَائِدِ وَجَلِيلِ الْعَوَائِدِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا اسْتِمْرَارُ الْإِيمَانِ فَأَيُّ أَمْرٍ أَعْظَمُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ أَيْضًا: نَعَمْ، إنَّ جَمَاهِيرَ السَّلَفِ تَمَنَّوْهُ شَوْقًا إلَى الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ الْأَقْدَسِيَّةِ وَذَلِكَ لِمَقَامِ الْخَوَاصِّ فَإِنْ قِيلَ: الْآجَالُ مُقَدَّرَةٌ لَا تَزِيدُ بِالتَّمَنِّي فَمَا مَعْنَى التَّمَنِّي قُلْنَا ذَلِكَ: هُوَ حِكْمَةُ النَّهْيِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ وَهْبٍ كَانَ مَلِكٌ مُتَعَظِّمٌ لَا يَنْظُرُ إلَى النَّاسِ كِبْرًا فَعِنْدَ ذَهَابِهِ مَعَ خَدَمِهِ جَاءَ رَجُلٌ رَثُّ الْهَيْئَةِ فَلَمْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِهِ فَمُنِعَ فَلَمْ يَنْدَفِعْ، فَقَالَ: لِي إلَيْك حَاجَةٌ، فَقَالَ: اصْبِرْ إلَى وَقْتِ النُّزُولِ، فَقَالَ: لَا الْآنَ، فَقَهَرَهُ عَلَى لِجَامِ دَابَّتِهِ فَقَالَ الْمَلِكُ: اُذْكُرْهَا، فَقَالَ: سِرٌّ فَأَدْنَى إلَيْهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَاضْطَرَبَ لِسَانُهُ، فَقَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي وَأَقْضِيَ حَاجَتِي وَأُوَدِّعَهُمْ، قَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَيْسَ لَك رُؤْيَةُ أَهْلِك وَوَلَدِك أَبَدًا، فَقَبَضَ رُوحَهُ ثُمَّ مَضَى فَلَقِيَ عَبْدًا مُؤْمِنًا فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ إنَّ لِي إلَيْك حَاجَةً، وَقَالَ لَهُ سِرًّا: أَنَا مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِمَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَلَيَّ فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ فِي الْأَرْضِ غَائِبٌ أَحَبَّ إلَيَّ لِقَاؤُهُ إذَا أَلْقَاهُ مِنْك، فَقَالَ: اقْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>