للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاجَتَك الَّتِي خَرَجْتَ لَهَا، فَقَالَ مَالِي: حَاجَةٌ أَكْبَرُ مِنْ لِقَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - قَالَ: فَاخْتَرْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شِئْت، قَالَ: هَلْ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: نَعَمْ أُمِرْت بِذَلِكَ قَالَ: دَعْنِي أَتَوَضَّأُ وَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَاقْبِضْ رُوحِي وَأَنَا سَاجِدٌ فَقَبَضَ رُوحَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ «فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ» قِيلَ: بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ أَوْ فَكَسْرٍ مَحَلُّ الِاطِّلَاعِ الْمَوْتُ الْقَبْرُ أَوْ الْقِيَامَةُ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَعُ بِهَا عَلَى أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ عَنْ الصِّحَاحِ: بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَوْضِعُ الِاطِّلَاعِ: وَقِيلَ الْمَأْتِيُّ: وَعَنْ الْقَامُوسِ اطَّلَعَ عَلَى بَاطِنِهِ ظَهَرَ وَعَرَفَ «شَدِيدٌ» قَوِيٌّ صَعْبٌ، فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ الْمَيِّتِ وُضِعَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَمَاتُوا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى» ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ شَعْرَةٍ الْمَوْتَ وَلَا يَقَعُ الْمَوْتُ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، وَيُرْوَى «لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الْأَرْضِ كُلِّهَا لَذَابَتْ» ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: بَلَغَنَا أَنَّ الْمَيِّتَ يَجِدُ أَلَمَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يُبْعَثْ مِنْ قَبْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَوْسٍ: الْمَوْتُ أَفْظَعُ هَوْلٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ نَشْرِ الْمَنَاشِيرِ وَقَرْضِ الْمَقَارِيضِ وَغَلْيٍ فِي الْقُدُورِ وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ نُشِرَ فَأَخْبَرَ أَهْلَ الدُّنْيَا بِأَلَمِ الْمَوْتِ مَا انْتَفَعُوا بِعَيْشٍ وَلَا لَذُّوا بِنَوْمٍ. وَفِي الْإِحْيَاءِ أَيْضًا: اعْلَمْ، أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْ الْعَبْدِ كَرْبٌ وَلَا هَوْلٌ وَلَا عَذَابٌ إلَّا الْمَوْتُ الْمُجَرَّدُ لَانْتَغَصَ عَيْشُهُ وَتَكَدَّرَ سُرُورُهُ وَتُفَارِقُهُ شَهْوَتُهُ وَغَفْلَتُهُ وَتَطُولُ فِكْرَتُهُ وَيَعْظُمُ اسْتِعْدَادُهُ وَهُوَ فِي كُلِّ نَفَسٍ بِصَدَدِهِ «وَإِنَّ مِنْ السَّعَادَةِ» السَّرْمَدِيَّةِ «أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - الْإِنَابَةَ» أَيْ الرُّجُوعَ إلَيْهِ بِالنَّدَمِ عَلَى مَا اقْتَرَفَهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ أَوْ بِالطَّاعَاتِ وَاكْتِسَابِ الصَّالِحَاتِ الْبَاقِيَاتِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ فَسَّرَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ حُظُوظِ نَفْسِهِ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِامْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنَاهِي فَإِذَا مَاتَ جَاءَتْهُ الْبُشْرَى مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ - {أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: ٣٠]- قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: تَقُولُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا تَخَفْ مَا أَمَامَك مِنْ الْأَهْوَالِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَى مَا خَلَّفْت وَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْت تُوعَدُ، وَقِيلَ لَا تَخَفْ مَا تَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ الْغُرْبَةِ وَالْوَحْدَةِ وَالْوَحْشَةِ وَلَا تَحْزَنْ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ وَالْأَمْوَالِ وَأَبْشِرْ بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَجَنَّةِ نَعِيمٍ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِ الْمَوْتُ» عَلَى مَا نُقِلَ مِنْ الرِّعَايَةِ وَفِي الْإِحْيَاءِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إذَا رَضِيَ عَنْ عَبْدٍ قَالَ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ إلَى فُلَانٍ فَأْتِنِي بِرُوحِهِ لِأَرِيحَهُ حَسْبِي مِنْ عَمَلِهِ قَدْ بَلَوْته فَوَجَدْته حَيْثُ أُحِبُّهُ فَيَنْزِلُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَمَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مَعَهُمْ قُضْبَانٌ وَأُصُولُ الزَّعْفَرَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يُبَشِّرُهُ بِبِشَارَةٍ سِوَى بِشَارَةِ صَاحِبِهِ، وَتَقُومُ الْمَلَائِكَةُ صَفَّيْنِ لِخُرُوجِ رُوحِهِ مَعَهُمْ الرَّيْحَانُ فَإِذَا نَظَرَ إبْلِيسُ عَلَيْهِ اللَّعْنَةُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ صَرَخَ. قَالَ الرَّاوِي فَيَقُولُ لَهُ جُنُودُهُ مَالَك يَا سَيِّدَنَا؟ فَيَقُولُ: أَمَا تَرَوْنَ مَا أُعْطِيَ هَذَا الْعَبْدُ مِنْ الْكَرَامَةِ، أَيْنَ كُنْتُمْ عَنْ هَذَا؟ قَالُوا: قَدْ جَهَدْنَا بِهِ فَكَانَ مَعْصُومًا» ، هَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الْحَسَنُ لَا رَاحَةَ لِلْمُؤْمِنِ إلَّا لِقَاءُ اللَّهِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْمَطْلُوبُ مِنْ الْحَدِيثِ إرَادَةُ طُولِ الْحَيَاةِ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قُلْنَا: حَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ إمَّا أَنْ يُرَادَ وَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ أَوْ طُولَ الْحَيَاةِ بِالْإِنَابَةِ وَالْمُقَدَّمُ بَاطِلٌ فَالتَّالِي أَيْ إرَادَةُ طُولِ الْعُمْرِ بِالْإِنَابَةِ حَقٌّ أَيْ مِنْ السَّعَادَةِ، أَمَّا بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ؛ فَلِأَنَّ الْمَوْتَ قَاطِعُ الطَّاعَاتِ وَالطَّاعَاتُ مُزِيلُ هَوْلِ الْمَطْلَعِ وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ أَمْرٌ شَدِيدٌ فَيَنْتِجُ الْمَوْتُ قَاطِعٌ مُزِيلُ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ ثُمَّ نَقُولُ وَكُلُّ قَاطِعٍ مُزِيلِ أَمْرٍ شَدِيدٍ لَا يُرَادُ وَلَا يُتَمَنَّى فَالْمَوْتُ لَا يُرَادُ فَهُوَ عَيْنُ الْبُطْلَانِ، فَقَوْلُهُ (فَإِنَّ هَوْلَ إلَى آخِرِهِ) هُوَ الْكُبْرَى الثَّانِيَةُ، وَقَوْلُهُ (لَا تَتَمَنَّوْا) فِي قُوَّةِ بُطْلَانِ الْمُقَدَّمِ، وَقَوْلُهُ (إنَّ مِنْ السَّعَادَةِ إلَى آخِرِهِ) فِي قُوَّةِ النَّتِيجَةِ لِأَصْلِ الْقِيَاسِ فَعَلَيْك وَجْهُ دَلَالَةِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَإِنَّهُ خَفِيٌّ أَيْضًا.

(س) النَّسَائِيّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ) قِيلَ: بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الثَّانِيَةِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَ الْأُولَى (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ شَابَ» ابْيَضَّ شَعْرُهُ «شَيْبَةً» حَقِيرَةً أَوْ وَاحِدَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>