للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فِي الْإِسْلَامِ» بِأَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ ظَرْفًا لِشَيْبَتِهِ «كَانَتْ» تِلْكَ الشَّعْرَةُ «لَهُ نُورًا» عَظِيمًا يَسْتَضِيءُ بِهِ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ يَصِيرُ الشَّيْبُ نَفْسُهُ نُورًا يَهْتَدِي بِهِ صَاحِبُهُ وَيَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ فِي ظُلُمَاتِ الْحَشْرِ إلَى أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَالشَّيْبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ نَحْوِ جِهَادٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ اللَّهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَعْيِهِ فَيُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ مِنْ مُطْلَقِ شَعْرِهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ لَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لَمْ يَبْعُدْ، كَذَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ لَكِنْ لِفُقَهَائِنَا الْحَنَفِيَّةِ تَجْوِيزُهُ فِي بَعْضِ الْأَغْرَاضِ وَأَيْضًا يُكْرَهُ تَغْيِيرُهَا كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ زِيَادَةُ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهَا بِالسَّوَادِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ «مَا لَمْ يُخَضِّبْهَا أَوْ يَنْتِفْهَا» . وَفِي الْإِحْيَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «آلَيْت عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أُعَذِّبَ أَبْنَاءَ الثَّمَانِينَ» ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَنْظُرُ اللَّهُ - تَعَالَى - إلَى وَجْهِ الشَّيْخِ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَيَقُولُ كَبِرَ سِنُّك وَدَقَّ عَظْمُك وَرَقَّ جِلْدُك وَقَرُبَ أَجَلُك وَكَادَ قُدُومُك إلَيَّ يَا عَبْدِي أَمَا تَسْتَحْيِي وَأَنَا أَسْتَحِي مِنْ شَيْبِك» . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ جَاوَزَ أَرْبَعِينَ وَلَمْ يَغْلِبْ خَيْرُهُ عَلَى شَرِّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .

(د) أَبُو دَاوُد (عَنْ عُبَيْدٍ) مُصَغَّرِ عَبْدٍ ابْنِ خَالِدٍ ( «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ آخَى» بِالْمَدِّ أَصْلُهُ وَاخَى، قُلِبَتْ الْوَاوُ هَمْزَةً كَمَا فِي أُجُوهٍ فِي وُجُوهٍ أَيْ عَقَدَ الْأُخُوَّةَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ الشَّرِيفُ لِأَجْلِ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا رَزَقَهُ خَلِيلًا صَالِحًا إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ» «بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا» شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ «وَمَاتَ الْآخَرُ» حَتْفَ أَنْفِهِ «بَعْدَهُ بِجُمُعَةٍ» أُسْبُوعٍ «أَوْ نَحْوِهَا فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ» عَلَى الْمُتَوَفَّى آخِرَ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قُلْتُمْ» أَيْ أَيَّ شَيْءٍ قُلْتُمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ: الْمَقُولُ فِي الصَّلَاةِ مُتَعَيَّنٌ بِتَعْيِينِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَمَا وَجْهُ الِاسْتِفْهَامِ؟ قُلْنَا يَجُوزُ كَوْنُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّعْيِينِ بَلْ الْكُلُّ مُرَخَّصٌ بِالدُّعَاءِ بِمَا يَشَاءُ مِنْ الْمُنَاسِبِ لِحَالِ الْمَيِّتِ أَوْ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ بَلْ فِي خَارِجِهَا وَيَجُوزُ كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ هُوَ الْإِعْلَامُ بِفَائِدَةِ طُولِ الْعُمُرِ الْقَرِينِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ لِتَفَطُّنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِفِرَاسَتِهِ أَوْ بِاسْتِمَاعِهِ قَوْلَهُمْ «فَقَالُوا: دَعَوْنَا لَهُ وَقُلْنَا» فِي دَعْوَتِنَا «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَأَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ» الَّذِي مَاتَ شَهِيدًا فِي مَرْتَبَتِهِ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَصَوْمُهُ بَعْدَ صَوْمِهِ» ، الْحَاصِلَةُ فِي ذَلِكَ الْأُسْبُوعِ وَلَمْ تُوجَدْ لِلشَّهِيدِ الْمُتَوَفَّى قَبْلَهُ (شَكَّ شُعْبَةُ) أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ، قِيلَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ «فِي صَوْمِهِ وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ» يَعْنِي هَلْ قَالَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا أَوْ قَالَ بَدَلَهُ هَذَا الثَّانِي يَعْنِي صُدُورَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْزُومٌ لَهُ قَطْعًا وَإِنَّمَا شَكُّهُ فِي تَعْيِينِهِ «فَإِنَّ بَيْنَهُمَا» بَيْنَ مَنْ مَاتَ أَوَّلًا وَبَيْنَ مَنْ مَاتَ ثَانِيًا «مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» فِي الرِّفْعَةِ وَالشَّرَفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ دُعَاؤُكُمْ بِالْإِلْحَاقِ، فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ طُولَ الْعُمُرِ وَلَوْ بِأَقَلِّ قَلِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قِصَرِهِ لِكَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ هَذَا أَمَّا قَبْلَ وُرُودِ تَمَامِ فَضْلِ الشَّهِيدِ أَوْ الْمَيِّتِ ثَانِيًا شَهِيدٌ أَيْضًا مِنْ أَنْوَاعِ الشَّهِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا حُكْمِيًّا أَوْ مِنْ خَاصَّةِ ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَمُخَالِفٌ لِلنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ الْمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>