مِلْكًا لَهُ بَلْ يَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ وَمُسْتَعَارَةٍ وَنَفْسُهُ خَدِيمٌ لِلْغَيْرِ بَلْ عَبْدُهُ وَهُوَ فِي خَطَرِ إيثَارِ مَا يَفْنَى عَلَى مَا يَبْقَى، هَذَا لَيْسَ تَمَامَ هَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ تَمَامُهُ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «فَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ الْغِنَى هَدَمَهُ وَإِنْ ذَكَرْتُمُوهُ عِنْدَ الْفَقْرِ أَرْضَاكُمْ بِعِيشَتِكُمْ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَاطِعُ كُلِّ لَذَّةٍ وَحَائِلُ كُلِّ أُمْنِيَةٍ وَمَانِعُ كُلِّ مُرَادٍ وَدَافِعُ كُلِّ حَاجَةٍ، وَعُمُرُ الْمَرْءِ أَنْفَاسٌ مَعْدُودَةٌ وَأَوْقَاتٌ مَحْدُودَةٌ لَا يُدْرَى مَتَى يَنْفَدُ الْعَدَدُ وَيَنْقَضِي الْمَدَدُ وَكَيْفِيَّةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ عَلَى مَا فِي الْإِحْيَاءِ الْقَرِيبِ إلَى مَا فِي جَلَاءِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ أَمْثَالِهِ وَأَقْرَانِهِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ فَيَتَذَكَّرَ مَوْتَهُمْ وَصَيْرُورَتَهُمْ تَحْتَ التُّرَابِ وَيَتَذَكَّرَ صُوَرَهُمْ وَمَنَاصِبَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ كَيْفَ مَحَا التُّرَابُ الْآنَ صُوَرَهُمْ وَانْدَرَسَتْ آثَارُهُمْ وَآمَالُهُمْ وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِمْ كُسُوبُهُمْ وَمَا جَمَعُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَكَيْفَ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَأَرْمَلُوا نِسْوَانَهُمْ وَأَيْتَمُوا أَوْلَادَهُمْ وَضَيَّعُوا أَمْوَالَهُمْ وَاقْتَسَمَ الْغَيْرُ أَرْزَاقَهُمْ وَأَكَلَتْ الدُّودُ لِسَانَهُمْ وَالتُّرَابُ أَسْنَانَهُمْ ثُمَّ يَنْظُرُ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ وَغَفْلَتَهُ كَغَفْلَتِهِمْ وَسَيَكُونُ عَاقِبَتُهُ نَحْوَهُمْ وَنِعْمَ مَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ وَفِي الْإِحْيَاءِ هُوَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حُكِيَ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: وَيْحَك يَا يَزِيدُ مَنْ ذَا يُصَلِّي عَنْك بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ ذَا يَصُومُ عَنْك بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ ذَا يُرْضِي عَنْك رَبَّك بَعْدَ الْمَوْتِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا تَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَمَنْ الْمَوْتُ مَوْعِدُهُ وَالْقَبْرُ بَيْتُهُ وَالثَّرَى فِرَاشُهُ وَالدُّودُ أَنِيسُهُ وَمَعَ هَذَا يَنْتَظِرُ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ (مج) ابْنُ مَاجَهْ (عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ» طَرَفِهِ ( «فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى» تُرَابَ الْقَبْرِ مِنْ دُمُوعِهِ لَعَلَّهُ لِمَا تَجَلَّى لَهُ عَنْ عَالَمِ الْقُدُسِ مِنْ أَحْوَالِ الْمَوْتَى وَلَيْسَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ بَلْ لِمَا عَرَفَهُ مِنْ الْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْمَهَابَةِ وَالْجَلَالَةِ فَذَا لِنَحْوِ الِاحْتِرَامِ لَهُ - تَعَالَى - وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ، أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ رُتْبَةَ خَوْفِهِ - تَعَالَى - أَوْ إغْرَاءً لَهُمْ عَلَى إنَابَتِهِ - تَعَالَى - أَوْ تَرَحُّمًا وَتَشَفُّقًا لِذَلِكَ الْمَيِّتِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِمَّا يُوجِبُ ذَلِكَ أَوْ لِحَالِ مُطْلَقِ أُمَّتِهِ «ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا إخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا» أَيْ الْمَوْتِ «فَأَعِدُّوا» تَهَيَّئُوا وَاسْتَحْضِرُوا مِنْ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ يَعْنِي اتَّخِذُوا عُدَّةً وَزَادًا لِمِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْمَهِيبِ فِي الْإِحْيَاءِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ: عِظْنِي، فَقَالَ: أَنْتَ خَلِيفَةٌ تَمُوتُ، قَالَ: زِدْنِي، قَالَ: لَيْسَ مِنْ آبَائِك أَحَدٌ إلَى آدَمَ إلَّا ذَاقَ الْمَوْتَ وَقَدْ جَاءَتْك نَوْبَتُك فَبَكَى عُمَرُ. وَيُقَالُ: الْقَبْرُ يَنُوحُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute