يَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الظُّلْمَةِ فَنَوِّرُونِي بِصَلَاةِ اللَّيْلِ أَنَا بَيْتُ التُّرَابِ فَاحْمِلُوا الْفِرَاشَ وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَنَا بَيْتُ الْأَفَاعِي فَاحْمِلُوا التِّرْيَاقَ وَهُوَ دُمُوعُ الْعَيْنِ أَنَا بَيْتُ الضَّيْفِ فَتَزَوَّدُوا لِأَنْفُسِكُمْ أَنَا بَيْتُ الْفَقْرِ فَتَزَوَّدُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ غِنَاكُمْ أَنَا بَيْتُ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ فَأَكْثِرُوا عَلَى ظَهْرِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قِيلَ: رَوَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ عَمَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا» بِالْأَمْرِ بِالطَّاعَاتِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْوَعْظُ دَعْوَةُ الْأَشْيَاءِ بِمَا فِيهَا مِنْ الْعِبْرَةِ لِانْقِيَادِ الْحَقِّ - تَعَالَى - كَيْفَ لَا يَكْفِي وَالْيَوْمُ فِي الدُّورِ وَغَدًا فِي الْقُبُورِ، كَيْفَ وَهُوَ الْمُصِيبَةُ الْعُظْمَى وَالدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى وَأَعْظَمُ مِنْهُ الْغَفْلَةُ عَنْ ذِكْرِهِ - تَعَالَى - وَقِلَّةُ تَفَكُّرِهِ، وَأَنَّ لَهُ وَحْدَةً وَلِلْعَاقِلِ عِبْرَةً فَهَلْ لَك اعْتِذَارٌ بَعْدَ قَوْلِ سَيِّدِ الْأَبْرَارِ «كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا» أَمَا تَسْتَحْيِي مِنْ اسْتِبْطَائِك هُجُومَ الْمَوْتِ اقْتِدَاءً بِالْغَافِلِينَ الَّذِينَ {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: ٤٩] {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: ٥٠] فَيَأْتِيهِمْ الْمَرَضُ نَذِيرًا مِنْ الْمَوْتِ فَلَا يَنْزَجِرُونَ وَيَأْتِيهِمْ الشَّيْبُ رَسُولًا مِنْهُ فَمَا يَعْتَبِرُونَ، فَ {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [يس: ٣٠] أَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا خَالِدُونَ {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} [يس: ٣١] أَمْ يَحْسَبُونَ الْمَوْتَى سَافَرُوا مِنْ عِنْدِهِمْ فَهُمْ يَعُودُونَ، كَلًّا {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: ٣٢] لَكِنْ {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام: ٤] «وَكَفَى بِالْيَقِينِ غِنًى» لِأَنَّ الْعِلْمَ الْيَقِينِيَّ بِأَنَّ الْأَرْزَاقَ بِتَقْسِيمِ اللَّهِ - تَعَالَى {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} [الزخرف: ٣٢] وَأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُعْطِيهِ أَلْبَتَّةَ عَلَى مُقْتَضَى وَعْدِهِ - {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ، وَ - {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ٩]- بَلْ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ لَا مَحَالَةَ، هَذَا كَافٍ فِي الْغِنَى قَالَ الْخَوَّاصُ: الْغِنَى حَقُّ الْغِنَى مَنْ أَسْكَنَ قَلْبَهُ مِنْ غِنَاهُ يَقِينًا وَمِنْ مَعْرِفَتِهِ تَوَكُّلًا وَمِنْ عَطَايَاهُ رِضًا ثُمَّ هَذَا الْخَبَرُ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَثِّ عَلَى الزُّهْدِ وَهُوَ أَمْرٌ تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ الْمِلَلُ وَالنِّحَلُ قَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ وَصُحُفُ مُوسَى وَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ وَكُلُّ كِتَابٍ مُنْزَلٍ مَا نَزَلَ إلَّا لِدَعْوَةِ الْخَلْقِ إلَى الْمُلْكِ الدَّائِمِ الْمُخَلَّدِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ أَنْ يَمُوتُوا مُلُوكًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا مُلْكُ الدُّنْيَا فَبِالزُّهْدِ وَالْقَنَاعَةِ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَبِالْقُرْبِ مِنْهُ يُدْرَكُ بَقَاءٌ لَا فِنَاءَ فِيهِ، وَالشَّيْطَانُ يَدْعُو إلَى مُلْكِ الدُّنْيَا لِيُفَوِّتَ عَلَيْهِمْ مُلْكَ الْأُخْرَى إذْ هُمَا ضَرَّتَانِ، وَنَعِيمُ الدُّنْيَا لَا يَسْلَمُ لَهُ أَيْضًا لِكَدَرِهَا وَمُنَازَعَتِهَا وَمَعْنَى الزُّهْدِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَبْدُ شَهْوَتَهُ وَغَضَبَهُ وَبِذَلِكَ يَصِيرُ الْعَبْدُ حُرًّا، وَبِاسْتِيلَاءِ الشَّهْوَةِ يَصِيرُ عَبْدًا لِبَطْنِهِ وَفَرْجِهِ وَسَائِرِ أَغْرَاضِهِ، فَيَكُونُ مُسَخَّرًا كَالْبَهِيمَةِ يَجُرُّهُ إمَامُ الشَّهْوَةِ إلَى حَيْثُ يُرِيدُ فَمَا أَعْظَمَ اغْتِرَارُ الْإِنْسَانِ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يَنَالُ الْمُلْكَ يَصِيرُ مَمْلُوكًا وَمِثْلُهُ هَلْ يَكُونُ إلَّا مَعْكُوسًا فِي الدُّنْيَا وَمَنْكُوسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُلُوكِ لِبَعْضِ الزُّهَّادِ هَلْ لَك حَاجَةٌ؟ قَالَ: كَيْفَ أَطْلُبُ مِنْك حَاجَةً وَمُلْكِي أَعْظَمُ مِنْ مُلْكِك، قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: مَنْ أَنْتَ عَبْدُهُ فَهُوَ عَبْدِي أَنْتَ عَبْدُ شَهْوَتِك وَأَنَا مَلَكْتُهَا فَهِيَ عَبْدِي، وَقَالَ بَعْضٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ: أَنْتَ عَبْدُ عَبْدِي فَهَذَا هُوَ الْمُلْكُ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْجَارُّ إلَى مُلْكِ الْآخِرَةِ فَالْمَخْدُوعُونَ بِالْغُرُورِ خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، كَذَا فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الْعِرَاقِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute