للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُنْذِرِيُّ وَغَرِيبٌ مُنْقَطِعٌ عِنْدَ الْعَلَائِيِّ وَعَنْ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْهَيْثَمِيِّ مَتْرُوكٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ قَوْلِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَقُولُ الْحَدِيثُ إنْ كَانَ لَهُ تَأْيِيدٌ صَحِيحٌ وَقَوِيٌّ يَجُوزُ رِوَايَتُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ سِيَّمَا عِنْدَ مُطَابَقَةِ الْقِيَاسِ وَقَدْ وَرَدَ صَحِيحًا «كَفَى بِالْمَوْتِ مُزَهِّدًا فِي الدُّنْيَا وَمُرَغِّبًا فِي الْآخِرَةِ» وَلَا شَكَّ فِي قُرْبِ مَعْنَيَيْهِمَا (حب) ابْنُ حِبَّانَ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ» بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعِ «اللَّذَّاتِ» يَعْنِي الْمَوْتَ) قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَيْ نَغِّصُوا بِذِكْرِهِ لَذَّاتِكُمْ فَيَنْقَطِعَ رُكُونُكُمْ إلَيْهَا فَتَنْقَلِبُوا إلَى اللَّهِ، قَالُوا: هَذَا أَبْلَغُ الذِّكْرَى وَالْمَوَاعِظِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ الْحَقِيقِيَّ لَا الصُّورِيَّ مُزِيلٌ لِلَّذَّةِ وَمَانِعٌ لِلْأَمَانِيِّ وَنَافٍ لِلْآمَالِ لَكِنْ النُّفُوسُ الرَّاكِدَةُ وَالْقُلُوبُ الْغَافِلَةُ تَحْتَاجُ إلَى تَطْوِيلِ الْوَعْظِ وَتَزْوِيقِ الْأَلْفَاظِ وَإِلَّا فَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ قَوْله تَعَالَى - {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: ٣٥]- كَافٍ وَشَافٍ فَذِكْرُ الْمَوْتِ يَطْرُدُ طُولَ الْأَمَلِ وَيَكُفُّ التَّمَنِّيَ وَيُهَوِّنُ الْمَصَائِبَ.

وَقَالَ الْحُكَمَاءُ: ذِكْرُ الْمَنِيَّةِ يُنْسِي الْأُمْنِيَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى حَجَرٍ: لَوْ رَأَيْت يَسِيرًا مَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِك لَزَهِدْت فِي طُولِ مَا تَرْجُو مِنْ أَمَلِك وَلَرَغِبْت فِي الزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِك وَاقْتَصَرْتَ مِنْ حِرْصِك وَجَدَلِك وَإِنَّمَا يَلْقَاك غَدًا نَدَمُك، لَوْ قَدْ زَلَّتْ بِك قَدَمُك وَأَسْلَمَك أَهْلُك وَحَشَمُك وَتَبَرَّأَ مِنْك الْقَرِيبُ وَانْصَرَفَ عَنْك الْحَبِيبُ وَقَالَ التَّيْمِيُّ شَيْئَانِ قَطَعَا عَنِّي لَذَّةَ النَّوْمِ: ذِكْرُ الْمَوْتِ وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَجْمَعُ الْفُقَهَاءَ فَيَتَذَاكَرُونَ الْمَوْتَ وَالْقِيَامَةَ فَيَبْكُونَ كَأَنَّ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ جِنَازَةً. وَقَالَ اللَّفَّافُ مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ أُكْرِمَ بِثَلَاثٍ: تَعْجِيلِ التَّوْبَةِ وَقَنَاعَةِ الْقَلْبِ وَنَشَاطِ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ نَسِيَهُ عُوقِبَ بِثَلَاثٍ: تَسْوِيفِ التَّوْبَةِ وَتَرْكِ الرِّضَا بِالْكَفَافِ وَالتَّكَاسُلِ فِي الْعِبَادَةِ، فَتَفَكَّرْ يَا مَغْرُورُ فِي الْمَوْتِ وَسَكْرَتِهِ وَصُعُوبَةِ كَأْسِهِ وَمَرَارَتِهِ فَيَا لِلْمَوْتِ مِنْ وَعْدٍ مَا أَصْدَقَهُ وَمِنْ حُكْمٍ مَا أَعْدَلَهُ فَكَفَى بِالْمَوْتِ مُفْزِعًا لِلْقُلُوبِ وَمُبْكِيًا لِلْعُيُونِ وَمُفَرِّقًا لِلْجَمَاعَاتِ وَهَاذِمًا لِلَّذَّاتِ وَقَاطِعًا لِلْأُمْنِيَاتِ (فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ) أَيْ الْمَوْتَ (أَحَدٌ فِي ضِيقٍ) كَفَقْرٍ وَمَرَضٍ وَحَبْسٍ وَمَصَائِبِ الْأَنْفُسِ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَقَارِبِ (إلَّا وَسَّعَهُ) صَيَّرَهُ وَاسِعًا، إمَّا لِأَنَّهُ مُذَكِّرٌ عَدَمَ كَوْنِ النِّعَمِ مِلْكًا لَهُ بَلْ فَانِيَةً لَيْسَ لَهَا دَوَامٌ، وَإِمَّا لِلْأَجْرِ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِالصَّبْرِ، وَإِمَّا لِأَنَّ عُمُرِي أَنْفَاسٌ مَعْدُودَةٌ زَالَتْ سَرِعَةً فَلَا تَفَاوُتَ فِي سَعَتِهِ وَضِيقِهِ (وَلَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إلَّا ضَيَّقَهَا) أَيْ السَّعَةَ (عَلَيْهِ) لِعِلْمِهِ بِمُفَارَقَتِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>