للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُحَاسَبَتِهِ أَوْ مُنَاقَشَتِهِ بَلْ مَعْذَبِيَّتُهُ عَلَيْهَا وَلِإِخْطَارِهِ كَوْنَ مَا فِي يَدِهِ مُسْتَعَارًا لَهُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ وَنَفْسُهُ عَبْدٌ خَادِمٌ لَهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمَوْتُ خَطَرٌ هَائِلٌ وَخَطْبٌ عَظِيمٌ وَغَفْلَةُ النَّاسِ عَنْهُ أَعْظَمُ لِقِلَّةِ فِكْرِهِمْ فِيهِ وَمَنْ ذَكَرَهُ لَا يَذْكُرُهُ عَلَى حُرِّيَّةٍ بِقَلْبٍ فَارِغٍ بَلْ بِشَغْلِ الشَّهَوَاتِ. هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ ضَعَّفَهُ بَعْضٌ كَالذَّهَبِيِّ؛ لِأَنَّ فِي أَسَانِيدِهِ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُسْلِمٍ لَكِنْ قَوَّاهُ غَيْرُهُ مَعَ أَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ أَنَسٍ حَسَنٌ.

(دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (طص) طَبَرَانِيٌّ فِي الصَّغِيرِ (عَنْ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ «أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» حَالَ كَوْنِي «عَاشِرَ عَشَرَةِ» رِجَالٍ « (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ) » أَكْثَرُهُمْ عَقْلًا أَيْ الْفَطِنُ سَرِيعُ الْفَهْمِ ( «وَأَحْزَمُ النَّاسِ» أَيْ جَوْدَةُ رَأْيِهِمْ «قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ» لَا بِقَلْبٍ لَاهٍ وَصَدْرٍ سَاهٍ بَلْ بِفِكْرٍ حَرِيٍّ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَصَائِبِ وَأَبْشَعُ الرَّزَايَا وَأَشْنَعُ الْبَلَايَا، فَتَفَكَّرْ يَا ابْنَ آدَمَ، فِي مَصْرَعِك وَانْتِقَالِك مِنْ مَوْضِعِك إذَا نُقِلْت مِنْ السَّعَةِ إلَى الضِّيقِ وَخَانَك الصَّاحِبُ وَالرَّفِيقُ وَهَجَرَك الْأَخُ وَالصَّدِيقُ وَأُخِذْتَ مِنْ فِرَاشِك وَنُقِلْتَ مِنْ مِهَادِك فَيَا جَامِعَ الْمَالِ وَالْمُجْتَهِدَ فِي الْبُنْيَانِ، لَيْسَ لَك مِنْ مَالِك إلَّا الْأَكْفَانُ، بَلْ هُوَ لِلْخَرَابِ وَجِسْمُك لِلتُّرَابِ فَاعْتَبِرْ يَا مِسْكِينُ بِمَنْ صَارَ تَحْتَ التُّرَابِ وَانْقَطَعَ عَنْ الْأَهْلِ وَالْأَحْبَابِ بَعْدَ أَنْ قَادَ الْجُيُوشَ وَالْعَسَاكِرَ وَنَافَسَ الْأَصْحَابَ وَالْعَشَائِرَ وَجَمَعَ الْأَمْوَالَ وَالذَّخَائِرَ فَجَاءَهُ الْمَوْتُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَحْتَسِبْهُ وَهَوْلٍ لَمْ يَرْتَقِبْهُ، وَلْيَتَأَمَّلْ حَالَ مَنْ مَضَى مِنْ إخْوَانِهِ وَدَرَجَ مِنْ أَقَارِبِهِ وَخُلَّانِهِ الَّذِينَ بَلَغُوا الْآمَالَ كَيْفَ انْقَطَعَتْ آمَالُهُمْ وَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَمَحَا التُّرَابُ مَحَاسِنَ وُجُوهِهِمْ وَتَفَرَّقَتْ فِي الْقُبُورِ أَجْزَاؤُهُمْ وَتَرَمَّلَتْ بَعْدَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَشَمِلَ ذُلُّ الْيُتْمِ أَوْلَادَهُمْ وَقَسَمَ غَيْرُهُمْ طَرِيفَهُمْ وَتِلَادَهُمْ قِيلَ: الْكَنْزُ الَّذِي لِلْغُلَامَيْنِ فِيهِ لَوْحٌ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ عَجِبْت لِمَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفْرَحُ، وَلِمَنْ أَيْقَنَ بِالنَّارِ كَيْفَ يَضْحَكُ «وَأَكْثَرُهُمْ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ» بِإِيفَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ مِنْ الْخَلْقِ، وَالْحَقُّ اسْتِبْرَاءُ الذِّمَمِ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَا ظَلَمَهُمْ وَتَحْسِينُ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ عَلَى وَفْقِ مَا يَرْضَى عَنْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - «أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ» لِتَهَيُّئِهِمْ لِلْمَوْتِ لَا يَعْبَئُونَ بِقُدُومِ الْمَوْتِ وَلَا يَحْزَنُونَ بَلْ يُسَرُّونَ لِلْوُصُولِ إلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَلِلْخَلَاصِ مِنْ سِجْنِ السَّجِينِ وَأَمَّا الْحَمْقَى الَّذِينَ لَمْ يَسْتَعِدُّوا فَيَتَحَسَّرُونَ وَيَنْدَمُونَ بَلْ يَهْلِكُونَ.

قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ: إنَّ رَجُلًا مِنْ جَبَابِرَةِ بَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَ خَلْوَتِهِ فِي دَارِهِ بِبَعْضِ أَهْلِهِ دَخَلَ عَلَيْهِ شَخْصٌ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ فَقَامَ إلَيْهِ مُغْضَبًا قَائِلًا: مَنْ أَنْتَ؟ وَمَنْ أَدْخَلَك؟ قَالَ: أَدْخَلَنِي الدَّارَ رَبُّ الدَّارِ، وَأَمَّا أَنَا فَاَلَّذِي لَا يُمْنَعُ عَنِّي الْحِجَابُ وَلَا أَسْتَأْذِنُ عَلَى الْمُلُوكِ وَلَا أَخَافُ مِنْ صَوْلَةِ كُلِّ مُتَسَلِّطٍ وَلَا يَتَخَلَّصُ مِنِّي كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَلَا شَيْطَانٌ مَرِيدٌ، فَقَالَ خَائِفًا مُتَذَلِّلًا: إذَنْ أَنْتَ مَلَكُ الْمَوْتِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: امْهَلْ حَتَّى أُحْدِثَ عَهْدًا، قَالَ: هَيْهَاتَ انْقَطَعَتْ مُدَّتُك وَانْقَضَتْ أَنْفَاسُك فَلَيْسَ إلَى تَأْخِيرٍ مِنْ سَبِيلٍ، قَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ بِي؟ قَالَ: إلَى عَمَلِك الَّذِي قَدَّمْته وَإِلَى بَيْتِك الَّذِي مَهَّدْته قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أُقَدِّمْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَمْ أُمَهِّدْ بَيْتًا حَسَنًا، قَالَ: فَإِلَى لَظًى نَزَّاعَةٍ لِلشَّوَى، ثُمَّ قَبَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>