للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إذْ الْخَلْقُ إيجَادُ الْمَعْدُومِ) أَيْ إخْرَاجُهُ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ (فَمَا لَا يُوجَدُ) فِي الْخَارِجِ (لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا) لِعَدَمِ صِدْقِ مَعْنَى الْخَلْقِ عَلَيْهِ (فَلَا يَكُونُ مُرِيدُهَا خَالِقَهَا) فَلَا يَكُونُ الْعَبْدُ خَالِقَهَا بِإِرَادَتِهَا وَلَا يُنَافِي حَصْرَ قَوْلِنَا لَا خَالِقَ غَيْرُهُ

ثُمَّ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صُدُورُ الْأَفْعَالِ بِهَذِهِ الِاخْتِيَارَاتِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ فَيَلْزَمُ التَّفْوِيضُ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْقَدَرِيَّةِ أَجَابَ (وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ تِلْكَ الِاخْتِيَارَاتِ (شَرْطًا عَادِيًّا) لَا عَقْلِيًّا؛ لِقُدْرَتِهِ عَلَى إيجَادِهَا فِي الْعَبْدِ اسْتِقْلَالًا بِلَا تَوَقُّفُهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ (لِخَلْقِهِ) تَعَالَى (أَفْعَالَ الْعِبَادِ) فَلَا يَخْلُقُ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فِي الْعِبَادِ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ كَالْمُعْجِزَةِ لِنَبِيٍّ أَوْ الْكَرَامَةِ لِوَلِيٍّ فَلَا يُوجَدُ أَفْعَالُ الْعِبَادِ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارَاتِ الْعِبَادِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّفْوِيضُ وَلَا بِمُجَرَّدِ إرَادَتِهِ - تَعَالَى - حَتَّى يَلْزَمَ الْجَبْرُ بَلْ بِإِرَادَتِهِ تَعَالَى لَكِنْ بِشَرْطِ تَعَلُّقِ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ أَعْنِي صَرْفَ قُدْرَتِهِ إلَى الْعَمَلِ فَيَنْدَفِعُ مَا يُتَوَهَّمُ فِي الْمَقَامِ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ إنْ بِمُجَرَّدِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَتَفْوِيضٌ وَإِنْ بِمُجَرَّدِ قُدْرَةِ اللَّهِ فَجَبْرٌ وَإِنْ بِهِمَا إنْ مُسْتَقِلَّتَيْنِ فَتَوَارُدٌ وَإِنْ نَاقِصَتَيْنِ فَاحْتِيَاجٌ لَهُ - تَعَالَى - وَقُصُورٌ لِإِرَادَتِهِ وَاسْتَلْزَمَ كَوْنَهُ مُسْتَكْمَلًا بِالْغَيْرِ إذْ الِاحْتِيَاجُ وَالْقُصُورُ إنَّمَا يُتَصَوَّرَانِ إنْ لَمْ يَكُونَا بِجَعْلِهِ تَعَالَى وَعَادَتِهِ عَلَى حِكْمَتِهِ وَتَحْرِيرُ الْمَقَامِ أَنَّ حَاصِلَ شُبْهَةِ الشَّيْطَانِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ مُقَدَّرَةٌ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَمَا يَكُونُ بِتَقْدِيرِهِ تَعَالَى فَحُصُولُهُ مِنْ الْعَبْدِ بِالْجَبْرِ وَمَا يَكُونُ حُصُولُهُ بِالْجَبْرِ فَسَعْيُ الْعَبْدِ فِيهِ عَبَثٌ فَيَنْتِجُ سَعْيُ الْعَبْدِ لِلْأَعْمَالِ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ إنْ أَرَدْت أَنَّهَا بِتَقْدِيرِهِ تَعَالَى فَقَطْ فَالصُّغْرَى مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ إرَادَاتٍ جُزْئِيَّةً فِي أَفْعَالِهِ قَابِلَةً لِتَعَلُّقِ الضِّدَّيْنِ وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهَا بِتَقْدِيرِهِ تَعَالَى مَعَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَالصُّغْرَى مُسَلَّمَةٌ لَكِنْ الْكُبْرَى مَمْنُوعَةٌ إذْ مَا صَدَرَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقُدْرَةِ وَلَوْ عَلَى طَرِيقِ الشَّرْطِ لَا يَكُونُ جَبْرًا ثُمَّ لِمَا وَرَدَ عَلَى السَّنَدِ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْإِرَادَاتُ صَادِرَةً مِنْ الْعَبْدِ يَلْزَمُ كَوْنُ الْعَبْدِ خَالِقَهَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ غَيْرُهُ. أَجَابَ بِأَنَّ تِلْكَ الْإِرَادَاتِ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ وَمَا يَكُونُ مَخْلُوقًا فَمَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَالْإِرَادَاتُ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً فَلَا يَكُونُ مُرِيدُهَا يَعْنِي الْعَبْدَ خَالِقَهَا وَقَدْ عَرَفْت فَوَائِدَ الْمُقَدِّمَاتِ إلَّا أَنَّك لَاحَظْت مَضْمُونَ قَوْلِهِ وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ فِي مَضْمُونِ أَوَّلِ الْكَلَامِ وَلَا جَبْرَ فِيهِ وَإِنْ شِئْت قَرَّرْت الْجَوَابَ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ لَكِنْ الْمُنَاقَضَةُ هِيَ الْوَظِيفَةُ الْأَوَّلِيَّةُ لِلسَّائِلِ وَبِالْجُمْلَةِ إنَّ حَاصِلَ الْجَوَابِ وَزُبْدَتَهُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَإِنْ صَدَرَتْ بِقُدْرَتِهِ - تَعَالَى - لَكِنَّهُ بِشَرْطِ إرَادَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فَيُوجَدُ الْمَشْرُوطُ وَإِلَّا فَلَا، فَلَا جَبْرَ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ قُدْرَةُ اللَّهِ عَلَى عَادَتِهِ وَلَا تَفْوِيضَ لِعَدَمِ صُدُورِهِ مِنْ إرَادَةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً بَلْ شَرْطًا.

ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَوَابُ حَاسِمًا لِمَادَّةِ الْإِشْكَالِ فِي الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ بِالْقُدْرَةِ الْأَزَلِيَّةِ وَالْجَوَابُ بِكَيْفِيَّةِ صُدُورِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ دَفْعًا لِذَلِكَ (وَكَوْنُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَتِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَكَتْبِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ صُدُورِهَا مِنْ الْعِبَادِ بِالْجَبْرِ) وَظَاهِرُ الْأَمْرِ أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُهُ إذْ لَوْ لَمْ يَصْدُرْ لَانْقَلَبَ عِلْمُهُ جَهْلًا وَإِرَادَتُهُ كَانَتْ مُتَخَلِّفَةً عَنْ مُرَادِهِ وَيُنْتَقَضُ حُكْمُهُ وَيَكْذِبُ كَتْبُهُ وَلَيْسَ مِثْلُهَا يُرَى كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ (كَمَا إذَا عَلِمَ زَيْدٌ جَمِيعَ مَا يَفْعَلُهُ عَمْرٌو يَوْمًا مِنْ الْأَيَّامِ فَأَرَادَهُ) أَيْ زَيْدٌ (وَكَتَبَهُ فِي قِرْطَاسٍ فَهَلْ يَكُونُ عَمْرٌو فِي فِعْلِهِ مَجْبُورًا مِنْ) جَانِبِ (زَيْدٍ وَهَلْ يَكُونُ لَهُ) أَيْ لِعَمْرٍو (أَنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>