فَعَلْت مَا فَعَلْت لِعِلْمِك وَإِرَادَتِك وَكَتْبِك إيَّاهُ) فَظَاهِرٌ فِيهِ عَدَمُ الْجَبْرِ (فَإِنَّ عَمْرًا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ) لِذَلِكَ الْفِعْلِ (لَا لِأَجْلِ عِلْمِ زَيْدٍ وَإِرَادَتِهِ وَكَتْبِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَبْرُ) فَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ الْجَبْرُ فِي عَمْرٍو (فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَبْدِ فَلَا يُجْعَلُ عِلْمُهُ تَعَالَى بِفِعْلِ الْعَبْدِ وَإِرَادَتِهِ وَتَقْدِيرِهِ وَكَتْبِهِ الْعَبْدَ مَجْبُورًا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَقَامِ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَتْبَهُ تَعَالَى تَابِعٌ لِتَقْدِيرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَهُمَا تَابِعَانِ لِعِلْمِهِ تَعَالَى، وَعِلْمُهُ تَعَالَى تَابِعٌ لِلْمَعْلُومِ أَعْنِي فِعْلَ الْعَبْدِ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْت حَاصِلٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ بِحَيْثُ إنْ تَعَلَّقَتْ إرَادَةُ الْعَبْدِ بِفِعْلٍ تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ تَعَالَى فَلَا يُتَصَوَّرُ الْجَبْرُ أَصْلًا (فَتَدَبَّرْ) فَإِنَّ الْمَقَامَ صَعْبٌ وَالزَّالُّونَ كَثِيرُونَ وَالْفَهْمُ خَفِيٌّ فَإِنْ تَدَبَّرْت تَصِلُ إلَى مُرَادِ الْمَقَامِ وَتُزِيلُ غَوَائِلَ الشَّيْطَانِ وَتَتَنَعَّمُ بِوُصُولِ لَذَّةِ الْمَرَامِ (وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) فَإِنَّ الشُّكْرَ عَلَى حَسَبِ النِّعْمَةِ قِيلَ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ صَنَعَ إلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا فَكَافِئُوهُ بِالدُّعَاءِ» وَعَنْ ابْنِ عِرَاقٍ: إذَا أَفَادَك إنْسَانٌ بِفَائِدَةٍ فَجَدِّدْ الذِّكْرَ عَنْهُ دَائِمًا أَبَدَا قِيلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ قِيَاسُ غَائِبٍ عَلَى شَاهِدٍ مَعَ أَنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ عِلْمِهِ بِشَيْءٍ يَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ إرَادَتِهِ، وَإِرَادَتُهُ تَسْتَلْزِمُ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِهِ وَأَمَّا عِلْمُ زَيْدٍ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ الِاشْتِرَاكُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي التَّشْبِيهِ، بَلْ الشَّرْطُ الِاشْتِرَاكُ فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ هُنَا سَلْبُ الْجَبْرِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُ الْعِلْمِ تَابِعًا لِلْمَعْلُومِ وَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِيهِ أَقُولُ الْعُمْدَةُ فِي الْكَلَامِ هِيَ الْإِرَادَةُ، بَلْ الظَّاهِرُ هِيَ مُرَادِفَةُ الْقُدْرَةِ فَكُلٌّ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ مَنْظُورٌ فِيهِ بَلْ الْإِشْكَالُ إرَادَتُهُ تَعَالَى مَوْجُودَةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَإِرَادَةُ زَيْدٍ لَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ وَمَعْدُومَةٍ فَالْقِيَاسُ مَعَ كَوْنِهِ قِيَاسَ غَائِبٍ عَلَى شَاهِدٍ مَعَ فَارِقٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ بَلْ تَنْظِيرٌ وَتَوْضِيحٌ لِبَعْضِ مَا يُذْكَرُ مَعَ السَّنَدِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسِ غَائِبٍ عَلَى شَاهِدٍ بَلْ الْإِرَادَتَانِ وَحَالُهُمَا لَيْسَتَا بِشَاهِدَتَيْنِ وَأَنَّهُ بَعْدَمَا اسْتَيْقَنَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَبَعِيَّةِ إرَادَتِهِ تَعَالَى إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ وَلَوْ شَرْطًا لَا يَكُونُ مَعَ فَارِقٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَقْصُودِ الْمَقَامِ (وَهَذَا الْجَوَابُ) مِنْ تَبَعِيَّةِ إرَادَتِهِ تَعَالَى إلَى إرَادَةِ الْعَبْدِ الَّتِي تَصْلُحُ لِكُلٍّ مِنْ الضِّدَّيْنِ (هُوَ الْحَاسِمُ) الْقَاطِعُ (لِهَذِهِ الْوَسْوَسَةِ) الشَّيْطَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إنْ قُدِّرَ لَك طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ تَحْصُلُ أَلْبَتَّةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى سَعْيِك، وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ مَا لَمْ تَتَعَلَّقْ إرَادَتُك بِفِعْلٍ مَا لَا تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ تَعَالَى بِهَذَا الْفِعْلِ عَلَى عَادَتِهِ وَحِكْمَتِهِ (وَ) هَذَا (مَعْنَى قَوْلِ السَّلَفِ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْبِدْعَةِ فِي الِاعْتِقَادِ بَلْ ذَلِكَ مَا يَكُونُ فِي خِلَافِهِ كَالْأَشْعَرِيِّ فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ التَّقْلِيدِ فِي الِاعْتِقَادِ وَلَا مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِجَاجِ فِي الْمَطْلَبِ الْعَقْلِيِّ بِالنَّقْلِ وَلَا الِاحْتِيَاجِ بِالدَّلِيلِ الْجَدَلِيِّ الْخَطَابِيِّ فِي مَقَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute