للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبُرْهَانِيِّ التَّحْقِيقِيِّ فَافْهَمْ (لَا جَبْرَ) كَمَا قَالَ الْجَبْرِيَّةُ بَلْ الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا عَلَى اعْتِقَادِ الْمُصَنِّفِ (وَلَا تَفْوِيضَ) كَالْقَدَرِيَّةِ (وَلَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ) كَمَا قِيلَ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَفِيهِ قَدَمٌ رَاسِخٌ مِنْ الْجَبْرِ إذْ لَوْ كَانَ بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ جَبْرًا وَلَوْ بِمَحْضِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ كَانَ تَفْوِيضًا وَلَوْ بِهِمَا يَكُونُ أَمْرٌ بَيْنَهُمَا هَذَا هُوَ تَحْرِيرُ الْمَقَامِ عَلَى مُقْتَضَى صَرِيحِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَإِيجَادُ الْفِعْلِ بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِشَرْطِ إرَادَةِ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عِنْدَنَا، بَلْ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ كَمَا سَبَقَ فِي الِاعْتِقَادِيَّةِ تَفْصِيلُهُ إذْ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ بِمَجْمُوعِ قُدْرَتَيْ اللَّهِ وَالْعَبْدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا مُؤَثِّرًا مُسْتَقِلًّا عَلَى حِكْمَتِهِ تَعَالَى وَعَادَتِهِ، كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ تَوْضِيحِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْخَيَّالِيِّ وَحَوَاشِيهِ فَالْجَبْرُ الْمُتَوَسِّطُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ بِقُدْرَةِ اللَّهِ جَبْرٌ وَبِقُدْرَةِ الْعَبْدِ تَفْوِيضٌ وَكَوْنُهُ بِهِمَا أَمْرٌ بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا إنَّ مَا ادَّعَاهُ مُتَوَسِّطًا رَاجِعٌ إلَى قُدْرَةٍ مَحْضٍ إذْ لَوْ كَانَ تَأْثِيرُ قُدْرَتِهِ تَعَالَى مَشْرُوطًا بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِقُدْرَةِ الْعَبْدِ ابْتِدَاءً وَبَيْنَ كَوْنِهِ شَرْطًا فِي التَّفْوِيضِ إذْ عَمَلُ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَفْقِ الشَّرْطِ وَإِنْ وُجِدَ فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا لَهُ تَعَالَى وَلِلْعَبْدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُؤَثِّرَ مَجْمُوعُ الْقُدْرَتَيْنِ لَكِنْ شُرِطَ فِي تَعَلُّقِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَلُّقُ قُدْرَةِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَعَلَّ التَّحْقِيقَ فِي الْجَبْرِ الْمُتَوَسِّطِ مَا فُهِمَ مِنْ رِسَالَةِ الدَّوَانِيِّ أَنَّ الْإِرَادَةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لِلْعَبْدِ مُنْبَعِثَةٌ مِنْ الشَّوْقِ، وَالشَّوْقُ مُنْبَعِثٌ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَمْرِ الْمُلَائِمِ، وَهَذَا الشَّوْقُ وَالتَّصَوُّرُ ضَرُورِيَّانِ وَالْإِرَادَةُ التَّابِعَةُ لَهُمَا اخْتِيَارِيَّةٌ وَيَقْرُبُ إلَيْهِ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ فِي إثْبَاتِ الْجَبْرِ الْمُتَوَسِّطِ أَمَّا إنَّهُ لَا جَبْرَ؛ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ مُخْتَارٌ فِي فِعْلِهِ فَعَادَتُهُ تَعَالَى بِخَلْقِ فِعْلِ الْعَبْدِ عَقِيبَ صَرْفِ اخْتِيَارِهِ وَأَمَّا إنَّهُ لَا تَفْوِيضَ، فَإِنَّ مَنْشَأَ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ دَاعِيَةٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَلْبِهِ، وَدَوَاعِي الْقَلْبِ تَابِعَةٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا دَخْلَ فِيهِ لِلْعَبْدِ (وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ) نَفْسُ الشَّيْخِ (الْقَائِلِ بِالْجَبْرِ الْمُتَوَسِّطِ) عَلَى مُجَرَّدِ اعْتِقَادِهِ (أَعْنِي كَوْنَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِاخْتِيَارِهِمْ لَا بِالِاضْطِرَارِ كَمَا يَقُولُ الْجَبْرِيَّةُ فَإِنَّهُ) أَيْ الِاضْطِرَارَ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْجَبْرِيَّةِ لَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ كَمَا تُوُهِّمَ (جَبْرٌ مَحْضٌ) لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ مِنْ الْعَبْدِ لَا شَرْطًا وَلَا شَطْرًا وَلَا مَدَارًا (وَلَكِنْ الِاخْتِيَارُ) الَّذِي هُوَ مَبْدَأُ الْأَفْعَالِ (مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجَبْرِ وَالِاضْطِرَارِ) يَعْنِي تَصْدُرُ الْأَفْعَالُ مِنْ الْعِبَادِ بِالِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ الِاخْتِيَارُ مَخْلُوقٌ فِي الْعَبْدِ بِالْجَبْرِ وَالِاضْطِرَارِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادُ مُخْتَارِينَ فِي أَفْعَالِهِمْ لِصُدُورِهَا بِالْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَمُضْطَرِّينَ فِي اخْتِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الِاخْتِيَارِ فِيهِمْ بِمُجَرَّدِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَنَحْنُ مُخْتَارُونَ فِي أَفْعَالِنَا مُضْطَرُّونَ فِي اخْتِيَارِنَا فَهَذَا مَعْنَى الْجَبْرِ الْمُتَوَسِّطِ) عِنْدَهُ عَلَى وَفْقِ مَنْقُولِ السَّلَفِ (فَلَا مَحِيصَ) فَلَا مُخَلِّصَ جَوَابُ أَمَّا فَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ (مِنْ هَذِهِ الْوَسْوَسَةِ) مِنْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ مِنْ عَدَمِ نَفْعِ سَعْيِ الْعَبْدِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا (وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ السَّلَفِ) لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ وَإِنْ ادَّعَى هُوَ اتِّحَادَهُ وَإِنَّمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلسَّلَفِ (إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ) بَيْنَ قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ (وَبَيْنَ الْجَبْرِ الْمَحْضِ فِي الْحَقِيقَةِ) وَإِنْ وُجِدَ فَرْقٌ فِي الصُّورَةِ مِنْ حَيْثُ أَثْبَتَ فِي الْعَبْدِ قُدْرَةً مُجَرَّدَةً وَعِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>