الْجَبْرِيَّةِ فِعْلُ الْعَبْدِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ بِدُونِ قُدْرَةٍ مِنْ الْعَبْدِ أَصْلًا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ أَصْلًا وَبَيْنَ وُجُودِهَا بِلَا تَأْثِيرٍ فَإِنَّ إثْبَاتَ الْقُدْرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْثِيرِ فَإِذَا نُفِيَ التَّأْثِيرُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِهَا وَعَدَمِهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ (فَأَيُّ نَفْعٍ فِي وُجُودِ اخْتِيَارٍ اضْطِرَارِيٍّ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ الْمَنْسُوبَ إلَى الِاضْطِرَارِ يُزِيلُ حَقِيقَةَ الِاخْتِيَارِ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ الِاسْمِ، هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا أَوْرَدَهُ الْمَوْلَى حَسَنٌ جَلَبِيٌّ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَوَاقِفِ عَلَى الْأَشْعَرِيِّ نَقْلًا عَنْ الْغَيْرِ أَنَّ ثُبُوتَ الْقُدْرَةِ إنَّمَا يُعْلَمُ بِأَثَرِهَا مِنْ الْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا تَأْثِيرٌ فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ ثُبُوتُهَا، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الْجَبْرِيَّةِ النَّافِينَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ لَكِنْ أَجَابَ عَنْهُ أَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْهَدُ بِوُجُودِ الْقُدْرَةِ مُنْضَمَّةً إلَى الْإِرَادَةِ فِي الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ بِتَأْثِيرِهَا انْتَهَى لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ بَلْ يُؤَكِّدُهُ؛ لِأَنَّ ضَرُورَةَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ يَقْتَضِي وُجُودَ التَّأْثِيرِ إذْ التَّأْثِيرُ مِنْ لَوَازِمِهَا فَهَذَا وَإِنْ دَفَعَ شُبْهَةَ الشَّيْطَانِ لَكِنْ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ بَلْ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ أَيْضًا إذْ هُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الشَّيْخِ أَنَّ الْعَبْدَ مُضْطَرٌّ فِي حُصُولِ قُدْرَتِهِ؛ لِأَنَّهَا بِخَلْقِهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ بِلَا مَدْخَلٍ مِنْهُ وَمُخْتَارٌ فِي صَرْفِهَا نَحْوُ الْفِعْلِ لِإِمْكَانِ تَعَلُّقِهَا بِكُلٍّ مِنْ الضِّدَّيْنِ.
أَقُولُ هَذِهِ الْإِرَادَةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي لَا كَلَامَ فِيهَا وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَمَلِ الْجُزْئِيِّ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْخَارِجِ بِإِيجَادِهِ تَعَالَى فَتَكُونُ عِلَّةً تَامَّةً لِلْفِعْلِ فَيَلْزَمُ الْجَبْرُ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُخْتَارًا فِي الصَّرْفِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْعَبْدُ مِنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَيَحْتَاجُ فِي تَرْجِيحِ جَانِبِ الْفِعْلِ إلَى مُرَجِّحٍ وَإِلَّا فَيَكُونُ اتِّفَاقِيًّا لَا اخْتِيَارِيًّا وَيَلْزَمُ أَيْضًا عَدَمُ احْتِيَاجِ وُقُوعِ الْجَائِزَيْنِ إلَى سَبَبٍ فَيَنْسَدُّ بَابُ إثْبَاتِ الصَّانِعِ وَالْمُرَجِّحُ لَا يَكُونُ مِنْ الْعَبْدِ لِلتَّسَلْسُلِ وَيَكُونُ الْفِعْلُ عِنْدَهُ وَاجِبًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَا فَرَضْنَاهُ مُرَجِّحًا تَامًّا فَيَلْزَمُ الْإِيجَابُ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) فِي إثْبَاتِ كَوْنِ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ اضْطِرَارِيًّا فِي الْعَبْدِ بِخَلْقِهِ تَعَالَى لَوْ لَمْ يَكُنْ اضْطِرَارِيًّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ مِنْ الْعَبْدِ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ بِنَقْلِ الْكَلَامِ إلَى صُدُورِ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ عَنْهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ (فَيَلْزَمُ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ الْعَبْدِ بِاخْتِيَارِهِ (أَنْ يَكُونَ لِلِاخْتِيَارِ اخْتِيَارٌ فَيَدُورُ) إنْ رَجَعَ إلَيْهِ (أَوْ يَتَسَلْسَلُ) إنْ لَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى حَدٍّ (فَمَنْقُوضٌ) وَأَيْضًا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ خَالِقًا لَهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا خَالِقَ سِوَاهُ لَكِنْ يَشْكُلُ بِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ مِنْ الْعَبْدِ اضْطِرَارِيًّا فَلَا يَكُونُ لِلِاخْتِيَارِ اخْتِيَارٌ فَتَأَمَّلْ (بِاخْتِيَارِ اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُوجِدًا لِفِعْلِهِ بِالْقُدْرَةِ لَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُرَجِّحٍ، وَالْمُرَجِّحُ لَا يَكُونُ مِنْهُ لِلدَّوْرِ وَالتَّسَلْسُلِ وَيَكُونُ الْفِعْلُ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ وَاجِبَ الصُّدُورِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَجِّحُ مُرَجِّحًا تَامًّا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا مُخْتَارًا.
قِيلَ هَذَا قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ (فَجَوَابُهُ) أَيْ جَوَابُ النَّقْضِ وَالْجَوَابُ عَلَى مَا فِي الْمَوَاقِفِ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ إرَادَةَ الْعَبْدِ مُحْدَثَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى إرَادَةٍ أُخْرَى، وَإِرَادَةُ اللَّهِ قَدِيمَةٌ غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إلَى إرَادَةٍ أُخْرَى (جَوَابُهُ) الظَّاهِرُ أَيْ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ النَّقْضِ أَيْ جِنْسًا أَوْ أَصْلًا لَا عَيْنًا وَلَا شَخْصًا إذْ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ وَرُدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute