هَذَا الْجَوَابُ بِأَنْ لَا يُدْفَعَ التَّقْسِيمُ الْمَذْكُورُ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ إذْ يُقَالُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ مَعَ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ كَانَ مُوجِبًا لَا قَادِرًا مُخْتَارًا وَإِنْ أَمْكَنَ فَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ فِعْلُهُ عَلَى مُرَجِّحٍ كَانَ اتِّفَاقِيًّا وَاسْتَغْنَى الْحَادِثُ عَنْ الْمُرَجِّحِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ كَانَ الْفِعْلُ مَعَهُ وَاجِبًا فَيَكُونُ اضْطِرَارِيًّا وَإِنَّمَا يَنْدَفِعُ النَّقْضُ إذَا بَيَّنَ عَدَمَ جَرَيَانِ الدَّلِيلِ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ
لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ الْمَوَاقِفِ بِمَا تَلْخِيصُهُ عَلَى مَا فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُرَجِّحَ الْقَدِيمَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ الْحَادِثِ فِي وَقْتٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَجِّحٍ آخَرَ، فَإِنَّ فِعْلَ الْبَارِّي وَإِنْ احْتَاجَ إلَى مُرَجِّحٍ قَدِيمٌ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا يَحْتَاجُ ذَلِكَ الْمُرَجِّحُ إلَى مُرَجِّحٍ آخَرَ وَحِينَئِذٍ لَا يُتَّجَهُ النَّقْضُ وَأَمَّا لُزُومُ كَوْنِ الْفِعْلِ وَاجِبًا لَا مُخْتَارًا مَعَ ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ الْقَدِيمِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُحَقِّقُهُ (وَحَلُّهُ) أَيْ الْجَوَابِ عَنْ الدَّوْرِ وَالتَّسَلْسُلِ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ أَوْ فِي النَّقْضِ (أَنَّ) الشَّيْءَ (الْمُخْتَارَ) أَوْ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ وَاجِبًا كَمَا فِي النَّقْضِ أَوْ عَبْدًا كَمَا فِي الْأَصْلِ (إنْ كَانَ قَصْدًا وَأَصَالَةً) بِأَنْ كَانَ مَقْصُودًا بِالْأَصَالَةِ كَالصَّلَاةِ (فَلَا بُدَّ لَهُ) لِهَذَا الْمُخْتَارِ (مِنْ اخْتِيَارٍ مُغَايِرٍ لَهُ) لِذَلِكَ الْمُخْتَارِ (سَابِقٌ عَلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ) إذْ الْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُهُ بِلَا اخْتِيَارٍ (وَأَمَّا إذَا كَانَ) الشَّيْءُ الْمُخْتَارُ (ضِمْنًا وَتَبَعًا) أَوْ إذَا كَانَ تَعَلُّقُ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ كَذَلِكَ كَالِاخْتِيَارِ الْجُزْئِيِّ (فَلَا) يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اخْتِيَارٌ سَابِقٌ عَلَيْهِ (بَلْ يَكُونُ اخْتِيَارُ الْمَقْصُودِ) أَيْ الِاخْتِيَارُ الْمُتَعَلِّقُ بِمَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالْأَصَالَةِ كَالصَّلَاةِ (اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إيجَادٌ وَلَا خَلْقٌ وَإِنَّمَا يَقَعُ (ضِمْنًا وَالْتِزَامًا) لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ لِلْأَشْيَاءِ بِلَا تَعَلُّقِ إيجَادٍ بِهَا
(كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْوِجْدَانُ) الَّذِي هُوَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْبَدِيهِيَّةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَهَذِهِ مُفِيدَةٌ فِي الْمَقَامِ التَّحْقِيقِيِّ أَلْبَتَّةَ، وَأَمَّا فِي الْجَدَلِيَّةِ وَالْإِلْزَامِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ هُنَا فَإِنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا كَانَ هُنَاكَ عِلَّةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْجَمْعِ وَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ الْمَقَامِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ انْدِفَاعُ مَا قِيلَ أَنَّ مَا شَهِدَ لَهُ الْوِجْدَانُ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى الْغَيْرِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا دَوْرَ وَلَا تَسَلْسُلَ وَأَيْضًا لَوْ سُلِّمَ لُزُومُهُمَا لَكِنَّهُمَا فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَلَيْسَا بِمُحَالَيْنِ فِيهَا
ثُمَّ أَمْكَنَ لِلْأَشْعَرِيِّ الِانْتِقَالُ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ مُنْتِجٍ لِمَطْلُوبِهِ الَّذِي هُوَ كَوْنُ الْعَبْدِ مُضْطَرًّا فِي اخْتِيَارِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِكَوْنِ فِعْلِ الْعَبْدِ عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ طَرَفَا الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ جَائِزَيْنِ لِلْعَبْدِ مُتَسَاوِيَيْنِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ فَإِذَا امْتَنَعَ كَوْنُ الْمُرَجِّحِ مِنْ الْعَبْدِ لِلتَّسَلْسُلِ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ الْعَبْدُ أَيْضًا مَجْبُورًا، أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (وَالتَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ جَائِزٌ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ) لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْإِرَادَةِ تَرْجِيحَ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى مُرَجِّحٍ كَالْهَارِبِ يَسْلُكُ أَحَدَ الطَّرِيقَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَالْجَائِعُ يُقَدِّمُ أَحَدَ الرَّغِيفَيْنِ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute