(وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ التَّرَجُّحُ) كَوْنُ الشَّيْءِ ذَا رُجْحَانٍ بِمَعْنَى الْإِيجَادِ بِلَا مُوجِدٍ فِي نَفْسِهِ (بِلَا مُرَجِّحٍ) لِاسْتِغْنَاءِ الْمُمْكِنِ عَنْ الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ (فَيَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ الْإِرَادَةُ بِشَيْءٍ لَا مُرَجِّحٍ وَدَاعٍ) اعْلَمْ أَنَّ بُطْلَانَ الرُّجْحَانِ بِلَا مُرَجِّحٍ أَيْ الْوُجُودِ بِلَا مُوجِدٍ وَبُطْلَانَ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ أَيْ الْإِيجَادِ بِلَا مُوجِدٍ بَدِيهِيٌّ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ تَرْجِيحُ الْمَرْجُوحِ فَجَائِزٌ وَاقِعٌ بِوُجُوهٍ مَذْكُورٌ فِي رَابِعَةِ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ فَلَا امْتِنَاعَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ وَأَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي ثُبُوتِ الْإِيقَاعِ مِنْ الْمُخْتَارِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَأَنَّ الْمُمْتَنِعَ إنَّمَا هُوَ وُجُودُ الْمُمْكِنِ بِلَا مُوجِدٍ وَأَنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُرَجِّحَ الْفَاعِلُ بِهَا أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَوْ الْمَرْجُوحَ عَلَى الرَّاجِحِ، فَالْإِيجَادُ بِالِاخْتِيَارِ قَدْ يَكُونُ تَرْجِيحًا لِذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ اخْتِيَارُ الْمُخْتَارِ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ قُلْنَا الْإِرَادَةُ وَالِاخْتِيَارُ لَا تُعَلَّلُ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَارَ هَذَا دُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لَهَا فَإِنْ قِيلَ التَّرْجِيحُ يَسْتَلْزِمُ الرُّجْحَانَ ضَرُورَةً فَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ يُوجِبُ رُجْحَانَهُ قُلْنَا الْمُمْتَنِعُ هُوَ رُجْحَانُ الْمُسَاوِي أَوْ الْمَرْجُوحِ مَا دَامَ مُسَاوِيًا أَوْ مَرْجُوحًا لِاجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ الرُّجْحَانِ وَعَدَمِهِ، وَعِنْدَ تَرْجِيحِ الْفَاعِلِ إيَّاهُمَا لَمْ يَبْقَيَا مُسَاوِيًا وَمَرْجُوحًا؛ لِأَنَّ مَعْنَى التَّرْجِيحِ إثْبَاتُ الرُّجْحَانِ، وَجَعْلُ الشَّيْءِ رَاجِحًا وَإِخْرَاجُهُ عَنْ حَدِّ التَّسَاوِي كَذَا فِي الْمَحَلِّ الْمَزْبُورِ مِنْ التَّلْوِيحِ فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ (فَلَا يَرِدُ أَنَّ تَعَلُّقَ الْإِرَادَةِ) مِنْ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ لِشَيْءٍ (لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ الْمُرَجِّحُ (مِنْ خَارِجٍ) عَنْ نَفْسِ الْفَاعِلِ الْمُرِيدِ (يَلْزَمُ الْإِيجَابُ) أَيْ كَوْنُهُ وَاجِبَ الصُّدُورِ عَنْهُ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تَخَلُّفُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ الْمُرَجِّحُ الْمَفْرُوضُ تَمَامَ الْمُرَجِّحِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ جَازَ أَنْ يُوجَدَ الْفِعْلُ تَارَةً وَيَعْدَمَ أُخْرَى مَعَ الْمُرَجِّحِ فِيهِمَا، فَتَخْصِيصُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ بِوُجُودِهِ مُحْتَاجٌ إلَى مُرَجِّحٍ فَلَا يَكُونُ مَا فَرَضْنَاهُ مُرَجِّحًا تَامًّا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ فَتَدَبَّرْ (وَإِنْ كَانَ) الْمُرَجِّحُ (مِنْ نَفْسِ الْمُرِيدِ يَنْتَقِلُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ) عَلَى ذَلِكَ الْمُرَجِّحِ (أَنَّهُ بِالِاخْتِيَارِ أَوْ بِالِاضْطِرَارِ فَيَلْزَمُ إمَّا الدَّوْرُ أَوْ التَّسَلْسُلُ) فِي صُورَةِ الِاخْتِيَارِ (أَوْ الْإِيجَابُ) مِنْ نَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ فِي صُورَةِ الِاضْطِرَارِ لِعَدَمِ الِانْفِكَاكِ عَمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ
وَجْهُ عَدَمِ الْوُرُودِ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَجِّحٍ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِلَا مُرَجِّحٍ جَائِزٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمُرَجِّحِ فَيَسْقُطُ التَّفْصِيلُ وَالتَّرْدِيدُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهِ وَقَدْ عَرَفْت أَيْضًا مَا فَصَّلْنَاهُ مِنْ نَحْوِ جَوَازِ ثُبُوتِ الْإِيقَاعِ مِنْ الْمُخْتَارِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَأَنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ يُرَجِّحُ بِهَا الْفَاعِلُ أَحَدَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ أَوْ الْمَرْجُوحَ عَلَى الْآخَرِ وَأَنَّ الْإِرَادَةَ لَا تُعَلِّلُ هَذَا اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْمَقَامِ إجْمَالًا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَقُولُ آخِرًا الْأَعْمَالُ مُقَدَّرَةٌ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعَبْدُ مَجْبُورٌ وَالسَّعْيُ بَاطِلٌ وَيَدْفَعُ السَّالِكُ أَنَّ الْأَعْمَالَ وَإِنْ كَانَتْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ تَعَلُّقَ قُدْرَتِهِ بِفِعْلِ عَبْدِهِ مَشْرُوطًا بِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ مِنْ الْعَبْدِ الصَّالِحَةِ لِلضِّدَّيْنِ فَمَا لَمْ تَتَعَلَّقْ تِلْكَ الْإِرَادَةُ الْجُزْئِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ تَعَالَى، وَالْإِرَادَةُ الْجُزْئِيَّةُ لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ خَلْقُ الْعَبْدِ إرَادَتَهُ، وَعِلْمُهُ تَعَالَى تَابِعٌ لِمَعْلُومِهِ وَالْإِرَادَةُ وَالتَّقْدِيرُ تَابِعَانِ لِلْعِلْمِ، وَالْكِتَابَةُ تَابِعَةٌ لِلْإِرَادَةِ فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ صُدُورَ الْفِعْلِ بِتَعْلِيقِ الْإِرَادَةِ الْجُزْئِيَّةِ اخْتِيَارًا وَلَوْ عَنْ طَرِيقِ الشَّرْطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute