أَنَّ حَكِيمًا صَنَّفَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ كِتَابًا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى نَبِيِّهِمْ قُلْ لَهُ قَدْ مَلَأْت الْأَرْضَ نِفَاقًا وَلَمْ تُرِدْنِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَقْبَلُ مِنْهُ شَيْئًا فَنَدِمَ وَتَرَكَ وَخَالَطَ الْعَامَّةَ وَتَوَاضَعَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ، قُلْ لَهُ الْآنَ قَدْ وَافَقْت رِضَايَ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ.
قَالَ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ مِنْ خَطَرِ الرِّيَاءِ مُصِيبَتَانِ وَفَضِيحَتَانِ فَضِيحَةُ السِّرِّ وَهِيَ اللَّوْمُ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَائِكَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَصْعَدُ بِعَمَلِ الْعَبْدِ مُبْتَهِجِينَ فَيَقُولُ اللَّهُ رُدُّوهُ إلَى سِجِّينٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْنِي بِهِ» فَيُفْضَحُ الْعَمَلُ وَالْعَبْدُ، وَفَضِيحَةُ الْعَلَانِيَةِ وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُرَائِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنَادَى بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ يَا كَافِرُ يَا فَاجِرُ يَا غَادِرُ يَا خَاسِرُ ضَلَّ سَعْيُك وَبَطَلَ أَجْرُك فَلَا خَلَاقَ لَك الْتَمِسْ الْأَجْرَ مِمَّنْ كُنْت تَعْمَلُ لَهُ يَا مُخَادِعُ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ النَّاسَ قُومُوا خُذُوا أَجْرَكُمْ مِمَّنْ عَمِلْتُمْ لَهُ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ عَمَلًا خَالَطَهُ شَيْءٌ» وَأَمَّا الْمُصِيبَتَانِ فَإِحْدَاهُمَا فَوْتُ الْجَنَّةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «إنَّ الْجَنَّةَ قَالَتْ أَنَا حَرَامٌ عَلَى كُلِّ بَخِيلٍ وَمُرَاءٍ» وَالثَّانِيَةُ دُخُولُ النَّارِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْقَارِئِ أَلَمْ أُعْلِمْك مَا أَنْزَلْت عَلَى رَسُولِي فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ مَا عَمِلْت فِيمَا عَلِمْت، فَيَقُولُ يَا رَبِّ قُمْت بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى كَذَبْت وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ كَذَبْت وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ أَرَدْت أَنْ يُقَالَ فُلَانٌ قَارِئٌ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ» الْحَدِيثَ
(ز) الْبَزَّارُ (عَنْ الضَّحَّاكِ) قِيلَ الْمُسَمَّى بِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ خَمْسَةٌ، فَاللَّازِمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَمْيِيزُهُ (- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ» حَدِيثٌ قُدْسِيٌّ وَهُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِلْهَامٍ أَوْ مَنَامٍ فَمَعْنَاهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَفْظُهُ مِنْ النَّبِيِّ لَكِنْ عَلَى أَنَّهُ يُسْنَدُ إلَيْهِ تَعَالَى وَالْحَدِيثُ النَّبَوِيُّ أَيْضًا مَعْنَاهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى لَكِنْ لَا يُسْنَدُ فِيهِ إلَيْهِ تَعَالَى بَلْ يُورِدُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، فَالْقُرْآنُ وَمُطْلَقُ الْحَدِيثِ يَتَّحِدَانِ فِي كَوْنِهِمَا وَحْيًا مِنْ اللَّهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ وَحْيٌ مَتْلُوٌّ، وَالثَّانِيَ غَيْرُ مَتْلُوٍّ إذْ اللَّفْظُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ اللَّهِ وَمُعْجِزٌ دُونَ الثَّانِي؛ وَلِذَا قِيلَ لَا يَجُوزُ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فِي الْأَكْثَرِ فَعِلْمُ الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الْعُلُومِ بَعْدَ الْقُرْآنِ.
«أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ» فُسِّرَ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي إلَى عَمَلٍ فِيهِ شَرِكَةُ الْغَيْرِ فَأَدَعُهُ وَلَا أَجْزِيهِ جَزَاءً وَأَفْعَلُ لِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ «فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي» فِي عَمَلٍ مَا «شَرِيكًا» لِي «فَهُوَ لِشَرِيكِي» لِغِنَايَ عَنْهُ وَعَدَمِ احْتِيَاجِي إلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُهُ عَدَمُ الثَّوَابِ مُطْلَقًا مَحْضًا أَوْ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ مَغْلُوبًا وَقَدْ قَرَّرَ الْمُصَنِّفُ الثَّوَابَ فِي الْمَغْلُوبِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ» أَيْ قَاسِمٍ لِمَنْ أُشْرِكَ بِي بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ «مَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا» أَيَّ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ «فَإِنَّ عَمَلَهُ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِي أَنَا غَنِيٌّ عَنْهُ»
، قُلْنَا نَعَمْ تَمَسَّكَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَالْمُحَاسِبِيِّ فِي عَدَمِ الثَّوَابِ فِي الْمَغْلُوبِ أَيْضًا لَكِنَّ الْغَزَالِيَّ وَالْإِمَامَ الرَّازِيَّ فِي الثَّوَابِ بِقَدْرِهِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا وَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ لَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ لَفْظَ الشِّرْكِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّسَاوِي وَعِنْدَهُ يَنْحَبِطُ كُلٌّ بِالْآخَرِ.
وَكَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ «قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ» يَأْبَى عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَحَمْلُ الْقَلِيلِ عَلَى الْمُسَاوِي فَإِنَّهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَالِبِ وَحَمْلُ الْكَثِيرِ عَلَى نَفْسِ الْغَالِبِ تَأْوِيلٌ بِلَا دَاعٍ كَحَمْلِهِ عَلَى نَفْسِ الْعَمَلِ ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَطَاءٍ وَكَمَا لَا يُحِبُّ اللَّهُ عَمَلَ الْمُشْتَرَكِ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْقَلْبَ الْمُشْتَرَكَ؛ لِأَنَّ الْقَلْبَ بَيْتُ الرَّبِّ، وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِهِ غَيْرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute