لِأَنَّهُ قَلَبَهُ إلَى غَيْرِهِ تَعَالَى (وَعَكْسُ الْمَشْرُوعِ) لِأَنَّ مَا شُرِعَ لَهُ الْعَمَلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ عَكَسَ بِجَعْلِهِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى (وَتَلْبِيسٌ بِإِعْلَامِ النَّاسِ أَنَّهُ) أَيْ الْمُرَائِيَ (يَقْصِدُ بِالْعِبَادَةِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْقُرْبَةَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ) أَيْ الْقَصْدَ بِالْعِبَادَةِ (لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ يَقْصِدُ) الْمُرَائِي (بِهَا التَّقَرُّبَ إلَيْهِمْ) إلَى النَّاسِ (وَالتَّحَبُّبَ) مِنْ الْمَحَبَّةِ لَهُمْ (فَلَوْ عَلِمُوا نِيَّتَهُ) أَيْ النَّاسُ (لَمَقَتُوهُ) أَبْغَضُوهُ أَشَدَّ الْبُغْضِ (وَهَجَرُوهُ) تَرَكُوهُ؛ لِأَنَّ حُبَّهُمْ لَهُ لِكَوْنِهِ مُطِيعًا لَهُ تَعَالَى فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُهُ أَبْغَضُوهُ (وَاَللَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِهِ) أَيْ بِقَصْدِهِ (فَهُوَ بِالْمَقْتِ) الْبُغْضِ الشَّدِيدِ (أَوْلَى) مِنْ غَيْرِهِ إذْ يَلِيقُ بِالْمَقْتِ لِقَلْبِهِ الْمَوْضُوعَ وَعَكْسِهِ الْمَشْرُوعَ (وَفِيهِ اسْتِهَانَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى) أَيْ يَلْزَمُ اسْتِهَانَةٌ وَإِلَّا فَكُفْرٌ، نَعَمْ يَلْزَمُ ذَلِكَ مُطْلَقًا عَلَى مَنْ يَجْعَلُ لُزُومَ الْكُفْرِ كُفْرًا مُطْلَقًا دُونَ مَنْ يَخُصُّهُ بِالِالْتِزَامِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ اللُّزُومِ الْبَيِّنِ وَالْغَيْرِ الْبَيِّنِ، لَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا) يَقْتَضِي ذَلِكَ عُرْفًا (وَأَقَلُّ مَا فِي الرِّيَاءِ) مِنْ الضَّرَرِ (صُورَةُ تَلْبِيسٍ) وَتَزْوِيرٍ (وَعِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا) أَيْ الْأَقَلُّ (كَافٍ فِي التَّحْرِيمِ) لَكِنْ فِي كَوْنِهِ أَقَلَّ الضَّرَرِ خَفَاءً إذْ لَا أَعْظَمَ جِنَايَةً مِنْ الْعِبَادَةِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى.
(فَلِذَا) لِكَوْنِهِ تَلْبِيسًا وَعِبَادَةً لِلْغَيْرِ (حَرُمَ كُلُّهُ) جَمِيعُ أَفْرَادِهِ إذْ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لِذَاتِهِ فَلَا جِهَةَ لِحَسَنَةٍ أَصْلًا لَكِنْ يُرَدُّ إنْ كَانَتْ هِيَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ فَيَكُونُ كُفْرًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِبَادَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فَلَا يَكُونُ قَبِيحًا لِذَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُ حُرْمَةُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَتَأَمَّلْ (وَإِنْ تَفَاوَتَ آحَادُهُ فِي غِلْظَةِ التَّحْرِيمِ وَخِفَّتِهِ) كَمَا سَبَقَ (فَغَائِلَةُ الرِّيَاءِ اسْتِحْقَاقُ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَإِبْطَالُ الْعَمَلِ) فِي الرِّيَاءِ الْمَحْضِ وَالْغَالِبِ وَالْمُسَاوِي (أَوْ نَقْصُ أَجْرِهِ) فِي الْمَغْلُوبِ وَقَدْ عَرَفْت الْكَلَامَ فِيهِ أَيْضًا.
قَالَ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ: فَالرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَا يَكُونُ فِي الْعَارِفِ عِنْدَ بَعْضٍ وَإِنْ أَبْطَلَ نِصْفَ الثَّوَابِ وَعِنْدَ بَعْضٍ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ وَيَذْهَبُ بِنِصْفِ الْأَضْعَافِ، وَالتَّخْلِيطُ يَذْهَبُ بِرُبْعِ الْأَضْعَافِ وَالصَّحِيحُ الرِّيَاءُ الْمَحْضُ لَيْسَ فِي الْعَارِفِ مَعَ تَذَكُّرِ الْآخِرَةِ وَيَكُونُ مَعَ السَّهْوِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مِنْ تَأْثِيرِ الرِّيَاءِ رَفْعَ الْقَبُولِ وَالنُّقْصَانَ فِي الثَّوَابِ وَأَنْ لَا تَقْدِيرَ لَهُ بِنِصْفٍ وَرُبْعٍ.
(وَأَمَّا سَبَبُ الْإِخْلَاصِ) الَّذِي يَكُونُ مَنْشَأً لَهُ وَمَبْدَأً لَهُ (فَالْإِيمَانُ) بِأَنَّهُ لَا مَعْبُودَ إلَّا هُوَ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِأَنَّهُ لَا خَالِقَ وَلَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ وَلَا نَافِعَ وَلَا ضَارَّ إلَّا هُوَ (وَوُجُوبُهُ) أَيْ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْإِخْلَاصِ عَلَى الْمُؤْمِنِ (وَتَوَقُّفُ قَبُولِ كُلِّ عَمَلٍ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ غَيْرُهُ وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِخْلَاصَ لَهُ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ عَمَلًا بِغَيْرِ إخْلَاصٍ كَانَ بَاعِثًا لَهُ عَلَى الْإِخْلَاصِ.
(وَأَمَّا فَوَائِدُهُ) ثَمَرَاتُهُ وَنَتَائِجُهُ الْأُخْرَوِيَّةُ (فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: ٥] بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الشَّرْعِ {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] لَا يُشْرِكُونَ بِهِ فِيهَا غَيْرَهُ تَعَالَى بِأَنْ يُحْصَرَ الِانْقِيَادُ لَهُ تَعَالَى فِعْلًا وَتَرْكًا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ٢] {أَلا} [الزمر: ٣] حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ {لِلَّهِ} [الزمر: ٣] لَا لِغَيْرِهِ {الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: ٣] مِنْ شَائِبَةِ قَصْدِ الْغَيْرِ أُورِدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute