(طِبّ) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الدُّنْيَا» هَذِهِ الْفَانِيَةُ الْغَدَّارَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالْمَكَارِهِ وَالْخَدَّاعَةُ «مَلْعُونَةٌ» مُبْغَضَةٌ لَهُ تَعَالَى وَمَتْرُوكَةٌ لِأَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى فَمَنْ أَحَبَّ مَا لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْغَضَهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلَعْنَتِهِ وَغَضَبِهِ
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ عَطَاءٍ تَحْقِيرُك لِلدُّنْيَا وَأَنْتَ مُقْبِلٌ عَلَيْهَا زُورٌ وَبُهْتَانٌ وَتَعْظِيمُك لِلَّهِ مَعَ وُجُودِ إعْرَاضِك عَنْهُ مِنْ أَمَارَاتِ الْخِذْلَانِ كَيْفَ تَرْجُو أَنْ يَكُونَ لَك قَدْرٌ عِنْدَهُ وَقَدْ اسْتَبْعَدَك مَا لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ عِنْدَهُ «مَلْعُونٌ مَا فِيهَا» مَطْرُوحٌ عَنْ سَاحَةِ قُدْسِهِ «إلَّا مَا ابْتَغَى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ» رِضَا اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِيهِ دَرْءَ مَفْسَدَةٍ وَجَلْبَ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ (هَقّ) الْبَيْهَقِيُّ (حَدَّ) أَحْمَدُ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَدْ أَفْلَحَ» فَازَ وَظَفِرَ بِالْبُغْيَةِ «مَنْ أَخْلَصَ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ» فَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَصْدِهِ شَوَائِبُ الرِّيَاءِ فِي أَعْمَالِهِ «وَجَعَلَ قَلْبَهُ سَلِيمًا» مِنْ الْأَمْرَاضِ الْقَلْبِيَّةِ كَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ.
«وَلِسَانَهُ صَادِقًا» بَرِيئًا مِنْ الْكَذِبِ «وَنَفْسَهُ مُطْمَئِنَّةً» بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالْحَقِّ أَوْ بِالرِّضَا عَلَى الْأَقْضِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ «وَخَلِيقَتَهُ» أَيْ طَرِيقَتَهُ وَطَبِيعَتَهُ «مُسْتَقِيمَةً» وَالِاسْتِقَامَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ وَأَشَقِّهَا كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ لِمَا فِيهَا {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] » «وَأُذُنَهُ مُسْتَمِعَةً» لِكُلِّ قَوْلِ حَقٍّ «وَعَيْنَهُ نَاظِرَةً» فِي مَصْنُوعَاتِهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ خَصَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ تَعَالَى إمَّا سَمْعِيَّةٌ فَالْأُذُنُ هِيَ الَّتِي تَجْعَلُ الْقَلْبَ وِعَاءً لَهَا أَوْ نَظَرِيَّةٌ وَالْعَيْنُ هِيَ الَّتِي تُقِرُّهَا فِي الْقَلْبِ وَتَجْعَلُهُ وِعَاءً لَهَا.
«فَأَمَّا الْأُذُنُ فَقِمْعٌ» وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى فَمِ مَا يَضِيقُ فَمُهُ عِنْدَ صَبِّ الشَّيْءِ فِيهِ أَيْ آلَةٌ لِوُصُولِ مَا يُلْقَى فِيهَا إلَى الْقَلْبِ «وَالْعَيْنَ مُقَرَّةً» أَيْ مُثَبَّتَةً فِي الْقَلْبِ «لِمَا يُوعِي الْقَلْبُ» أَيْ يَحْفَظُهُ «وَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ جَعَلَ قَلْبَهُ وَاعِيًا» حَافِظًا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أُولَاهُ وَأُخْرَاهُ عَنْ مُخْتَصَرِ الْإِحْيَاءِ مَنْ أَخْلَصَ الْعَمَلَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ظَهَرَتْ آثَارُ بَرَكَتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَقِبِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(فَفَائِدَةُ الْإِخْلَاصِ) عَلَى اسْتِقْرَاءِ الْمُصَنِّف أَوْ مَا اخْتَارَهُ فِي الذِّكْرِ أَرْبَعَةٌ (رِضَا اللَّهِ تَعَالَى) كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ صَرِيحًا وَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَفْهُومًا أَوْ الْتِزَامًا فَافْهَمْ (وَقَبُولُ الْعَمَلِ) كَحَدِيثِ مُعَاذٍ الْتِزَامًا (وَالنَّجَاةُ) يُنَاسِبُ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ (وَالْفَلَاحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صَرِيحٌ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ وَأَنْ يَزِيدَ قَوْلَهُ: وَانْجِلَاءُ كُلِّ فِتْنَةٍ وَأَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَائِدَتِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُمْ لِلَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ إلَّا مَا خَلَصَ لَهُ» ، وَقَوْلُهُ: «أَخْلِصُوا عِبَادَةَ اللَّهِ وَأَقِيمُوا خَمْسَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ» ، وَقَوْلُهُ: «مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ» الْكُلُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ فَالْبَاعِثُ عَلَى الْفِعْلِ إمَّا رُوحَانِيٌّ فَقَطْ فَإِخْلَاصٌ أَوْ شَيْطَانِيٌّ فَقَطْ فَرِيَاءٌ أَوْ مُرَكَّبٌ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُسَاوٍ أَوْ الرُّوحَانِيُّ قَوِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute