فَيَلْحَقُ بِالْمَجَانِينِ فَلَا يَكْفُرُ وَرُدَّ بِأَنَّ كِتَابَتَهُ فِي تَصْنِيفِهِ بِالْأَدِلَّةِ الدَّقِيقَةِ آبٍ عَنْهُ وَقِيلَ إنَّ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي الْفُصُوصِ مِنْ إلْحَاقِ يَهُودِيٍّ قَالَ أَبُو السُّعُودِ فِي الْمَعْرُوضَاتِ إنَّ كَوْنَهُ كَذَلِكَ مَعْرُوفٌ وَجُمْهُورُ الْمَشَايِخِ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالشَّرِيفِ الْعَلَّامَةِ وَالسُّيُوطِيِّ وَابْنِ الْكَمَالِ وَأَبِي السُّعُودِ نَزَّهُوهُ عَنْ الْكُفْرِ وَحَكَمُوا بِفَضْلِهِ بَلْ بِوِلَايَتِهِ وَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ، وَقَالَ بَعْضٌ لَا يُمْكِنُ تَوْفِيقُ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ فَلَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا افْتِرَاءٌ وَإِلْحَاقٌ مِنْ الْغَيْرِ كَمَا يَشْهَدُهُ تَوَاتُرُ حُسْنِ حَالِهِ وَشُهْرَةُ عُلُوِّ شَأْنِهِ وَيَشْهَدُهُ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي مَشَاهِيرِ سَائِرِ كُتُبِهِ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا مِنْ حَضْرَةِ الشَّيْخِ وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ رَجُلٌ صَالِحٌ صَفِيٌّ وَالنَّظَرُ إلَى كُتُبِهِ مَمْنُوعٌ وَقَعَ فِيهِ نَهْيٌ سُلْطَانِيٌّ فَلْيُعْتَقَدْ بِحُسْنِهِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى كُتُبِهِ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي فَتَاوَى أَبِي السُّعُودِ وَرِسَالَةِ ابْنِ الْكَمَالِ وَرِسَالَةِ السُّيُوطِيّ (فَقُلْ) فِي دَفْعِ ذَلِكَ (إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَذَلَهُمَا) تَرَكَ عَوْنَهُ وَنُصْرَتَهُ لَهُمَا (وَأَضَلَّهُمَا) خَلَقَ فِيهِمَا الضَّلَالَةَ (فَوَقَعَا فِيمَا وَقَعَا) مِنْ دَعْوَى الْأُلُوهِيَّةِ وَتَرْكِ السُّجُودِ لِآدَمَ لِلِاسْتِكْبَارِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَصَارَا مَا صَارَا يَرُدُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي إضْلَالِهِ تَعَالَى مَدْخَلٌ مِنْهُمَا كَصَرْفِ إرَادَتِهِمَا الْجُزْئِيَّةِ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا يَحْسِمُ الْجَوَابُ مَادَّةَ الْإِشْكَالِ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ الْجَبْرُ مَا وَقَعَ فِي دِيبَاجَةِ اللَّامِيَّةِ الشَّاطِبِيَّةِ
يُعَدُّ جَمِيعُ النَّاسِ مَوْلًى لِأَنَّهُمْ ... عَلَى مَا قَضَاهُ اللَّهُ يُجْرُونَ أَفْعُلَا
وَمَا أَوْضَحَهُ شَارِحُهَا الْجَعْبَرِيُّ أَيْ يَعْتَقِدُ الْمُجْتَبِي كُلَّ النَّاسِ سَادَاتٍ تَوَاضُعًا مِنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُحَقِّرُ أَحَدًا طَائِعًا كَانَ أَوْ عَاصِيًا وَتَعْلِيلُهُ يَرْجِعُ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُمْ عَبِيدًا لِلَّهِ مَسْلُوبِي الِاخْتِيَارِ وَالْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ وَتَقَعُ أَفْعَالُهُمْ عَلَى مَا حَكَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَزَلِ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ النُّصُوصُ وَمَنْ هَذَا حَالُهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يَقْطَعَ النَّظَرَ عَنْ خَيْرِهِ وَضُرِّهِ وَمَنْ نَظَرَ الْمُحْدَثَاتِ بِعَيْنِ الْفَنَاءِ لَمْ يَبْقَ فِي الْوُجُودِ إلَّا وَاجِبُ الْوُجُودِ وَهَذَا مَقَامُ التَّوْحِيدِ فَلَا يُدْفَعُ ذَلِكَ بَلْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْجَعْبَرِيُّ بِعِنْوَانِ الدَّقِيقَةِ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِلْجَبْرِيَّةِ لِتَعَلُّقِ الثَّوَابِ بِالِامْتِثَالِ وَالْعِقَابِ بِالْمُخَالَفَةِ فَلَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إنَّمَا يَتَرَتَّبَانِ عَلَى الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ الِامْتِثَالُ وَالْمُخَالَفَةُ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاضْطِرَارِيَّةِ، وَالْقَوْلُ إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ بِتَأْثِيرِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ فَقَطْ عِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ وَلَوْ سُلِّمَ نَفْعُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّاطِبِيِّ وَالْجَعْبَرِيِّ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ نَفْعِهِ لِلْمُصَنِّفِ، وَكَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلُ الْعَبْدِ بِتَأْثِيرِ مَجْمُوعِ الْقُدْرَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ لَكِنَّ أَصْلَ قُدْرَةِ الْعَبْدِ بِمَحْضِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ فَعَلَ الْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ صَادِرًا بَعْدَ صَرْفِهِ عَادَةً، لَكِنْ يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ عَلَى خَرْقِ عَادَةٍ فَعَدَمُ خَلْقِ التَّخَلُّفِ بَعْدَ الصَّرْفِ يَجْعَلُ الْفِعْلَ كَالصَّادِرِ بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَإِنَّ نِسْبَةَ الْخِذْلَانِ وَالْإِضْلَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ مِنْ قَبِيلِ التَّغْلِيبِ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ إرَادَتِهِ لَفْظًا فَلَا يَحْصُلُ الْجَوَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَعْنًى وَلَعَلَّ الْحَقَّ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ أَنَّ الْكِبْرَ صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْعَبْدُ بِوَجْهِهِ وَأَمَّا جَوَازُ التَّكَبُّرِ عَلَى الْمُتَكَبِّرِ فَلَعَلَّ الْكِبْرَ فِيهِ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ (وَوَفَّقَنِي وَهَدَانِي لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ) يَعْنِي مَا صَدَرَ مِنِّي مِنْ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ هُوَ فِعْلُ اللَّهِ بِمَحْضِ عِنَايَتِهِ فَالْكَلَامُ كَالْكَلَامِ (فَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ خَذَلَنِي وَوَفَّقَهُمَا (لَعُكِسَ) لَكُنْت فِي خِذْلَانٍ وَكَانَا فِي هِدَايَةٍ (وَلَيْسَ اجْتِنَابُ نَفْسِي مِمَّا فَعَلَاهُ) فِرْعَوْنُ وَإِبْلِيسُ (مِنْ ذَاتِهَا) مِنْ ذَاتِ نَفْسِي أَصْلًا كَمَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِلسِّيَاقِ أَوْ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا كَمَا أُشِيرَ (بَلْ مِنْ عِنَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى) وَتَوْفِيقِهِ (وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْ نَفْسِي مِنْ الْخَبَائِثِ الْكَثِيرَةِ وَالْعُيُوبِ الْعَظِيمَةِ مَا لَا أَعْلَمُ مِنْهُمَا) أَيْ فِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ (وَالْمَعْلُومُ أَدْنَى مِنْ الشُّكُوكِ وَالْمَجْهُولِ) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَإِنْ سُلِّمَ مَعْلُومِيَّةُ الْخَبَائِثِ الْكَثِيرَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَجْهُولِيَّتُهَا فِيهِمَا لَكِنْ أَيْضًا مَعْلُومٌ عَدَمُ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ أَعْنِي الْكُفْرَ وَوُجُودُ أَشْرَفِ الْفَضَائِلِ أَعْنِي الْإِيمَانَ فِي نَفْسِهِ وَعَدَمُ هَذَا الْأَشْرَفِ مَعَ وُجُودِ هَذَا الْأَخْبَثِ فِيهِمَا فَكَيْفَ يَجْعَلُ نَفْسَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute