دُونًا مِنْهُمَا وَقَدْ كَانَ التَّرْجِيحُ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْكَثْرَةِ (وَلَا أَعْلَمُ كَيْفَ أَمُوتُ) بِالْإِيمَانِ أَوْ الْكُفْرِ الْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ فِي غَيْرِ الْمَعْصُومِينَ وَلِهَذَا كَانَ الْأَمْنُ كُفْرًا (وَيُحْتَمَلُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَمُوتَ عَلَى الْكُفْرِ) بِخِذْلَانِهِ تَعَالَى (فَأُشَارِكَهُمَا فِي الْعَذَابِ الْمُخَلَّدِ) وَيَرِدُ أَيْضًا أَنَّ عَاقِبَتِي مَشْكُوكَةٌ وَأَنَّ عَاقِبَتَهُمَا مَجْزُومَةٌ، وَالْمَجْزُومَةُ أَدْنَى مِنْ الْمَشْكُوكَةِ وَأَنَّ غَايَتَهُ الْمُسَاوَاةُ وَالْكَلَامُ فِي الْأَدْنَوِيَّةِ عَلَى أَنَّ التَّسَاوِيَ فِي الْعَذَابِ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ إذْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ خِفَّةُ عَذَابِ الْمُؤْمِنِ طُولَ عُمُرِهِ وَالْكَافِرُ فِي خَاتِمَةِ حَالِهِ، فَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ الْجَوَابُ الْحَقُّ فَالْحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَحَقُّ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَقَامَ خَطَابِيٌّ، بَلْ شِعْرِيٌّ يَقْنَعُ بِالظَّنِّ وَدَعْوَى وُجُودِ الظَّنِّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ وَاهٍ أَيْضًا (وَلْنَذْكُرْ) أَوْرَدَ عَلَى مِثْلِهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي كَوْنَ شَخْصٍ وَاحِدٍ آمِرًا وَمَأْمُورًا وَيُجَابُ بِالْحَمْلِ عَلَى التَّجْرِيدِ كَأَنَّهُ يُجَرِّدُ مِنْ نَفْسِهِ شَخْصًا وَيَتَخَاطَبُ مَعَهُ كَمَا قَالُوا فِي قَوْلِهِمْ اعْلَمْ وَيُمْكِنُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّتَيْنِ نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ الْكُفَّارِ - {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: ١٢] .
- (مَا وَرَدَ فِي فَضَائِلِ التَّوَاضُعِ) أَيْ بَعْضِهَا أَوْ جَمِيعِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَوَفَّقَهُ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ عِيَاضٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَيَّ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْصَى» وَحْيُ إرْسَالٍ وَهُوَ الْأَصْلُ وَزَعْمُ أَنَّهُ وَحْيُ إلْهَامٍ خِلَافَ الْأَصْلِ بِلَا دَلِيلٍ. وَالْوَحْيُ إعْلَامٌ فِي الْخَفَاءِ «أَنْ» بِأَنْ «تَوَاضَعُوا» بِخَفْضِ جَنَاحٍ وَلِينِ الْجَانِبِ وَأَنْ مُفَسِّرَةٌ «حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ» مِنْكُمْ «عَلَى أَحَدٍ» بِتَعْدَادِ مَحَاسِنِهِ كِبْرًا وَرَفْعِ قَدْرِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ تِيهًا وَعُجْبًا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ التَّوَاضُعُ انْكِسَارُ الْقَلْبِ لِلَّهِ وَخَفْضُ جَنَاحِ الذُّلِّ وَالرَّحْمَةِ لِلْخَلْقِ حَتَّى لَا يَرَى لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَضْلًا وَلَا يَرَى لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ حَقًّا وَالْفَخْرُ ادِّعَاءُ الْعَظِيمِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَحَتَّى هُنَا بِمَعْنَى كَيْ «وَلَا يَبْغِيَ» بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى تَوَاضَعُوا أَيْ لَا يَجُورُ وَلَا يَتَعَدَّى «أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُعَاهَدًا أَوْ مُؤَمَّنًا مِنْ الْأَمَانِ وَالْبَغْيُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الظُّلْمِ.
قَالَ الْجَدُّ بْنُ تَيْمِيَّةَ نَهَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ عَنْ نَوْعَيْ الِاسْتِطَالَةِ لِلْخَلْقِ الْفَخْرِ وَالْبَغْيِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِطَالَةَ إنْ بِحَقٍّ فَافْتِخَارٌ وَإِنْ بِغَيْرِهِ فَبَغْيٌ فَلَا يَحِلُّ هَذَا وَلَا ذَاكَ فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ مِنْ طَائِفَةٍ فَاضِلَةٍ كَبَنِي هَاشِمٍ فَلَا يُفَضِّلُ نَفْسَهُ فَإِنَّ فَضْلَ الْجِنْسِ لَا يَسْتَلْزِمُ فَضْلَ الشَّخْصِ فَرُبَّ حَبَشِيٍّ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ جُمْهُورِ قُرَيْشٍ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ لِلشَّيْخِ التَّوَاضُعُ مَعَ طَلَبَتِهِ - {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٢١٥]- وَإِذَا طَلَبَ التَّوَاضُعَ لِمُطْلَقِ النَّاسِ فَكَيْفَ لِمَنْ لَهُ حَقُّ الصُّحْبَةِ وَحُرْمَةُ التَّوَدُّدِ وَصِدْقُ الْمَحَبَّةِ، لَكِنْ لَا يَتَوَاضَعُ مَعَهُمْ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُمْ دُونَهُ.
قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ مَنْ أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَوَاضُعًا فَهُوَ الْمُتَكَبِّرُ حَقًّا فَالتَّوَاضُعُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ رِفْعَةٍ مَعَ عَظَمَةٍ وَاقْتِدَارٍ لَيْسَ الْمُتَوَاضِعُ الَّذِي إذَا تَوَاضَعَ رَأَى أَنَّهُ فَوْقَ مَا صَنَعَ، بَلْ الَّذِي إذَا صَنَعَ رَأَى أَنَّهُ دُونَ مَا صَنَعَ انْتَهَى، كَذَا فِي الْفَيْضِ (طب) الطَّبَرَانِيُّ (عَنْ رَكْبٍ الْمِصْرِيِّ) مِنْ حَدِيثِ نُصَيْحٍ الْعَنْسِيِّ عَنْ الذَّهَبِيِّ رَكْبٌ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَلَمْ تَصِحَّ صُحْبَتُهُ وَنَصِيحٌ ضَعِيفٌ وَعَنْ الْإِصَابَةِ هَذَا حَدِيثٌ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُنَاوِيِّ أَقُولُ لَا يَضُرُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ ابْتِدَاءً وَقَدْ قَالُوا يَجُوزُ الرِّوَايَةُ وَالْعَمَلُ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَعَنْ الْقَامُوسِ رَكْبٌ صَحَابِيٌّ أَوْ تَابِعِيٌّ غَايَتُهُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ.
(أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِي غَيْرِ مَنْقَصَةٍ» قِيلَ أَيْ فِي حَالِ الِاتِّصَافِ بِالْكَمَالِ وَإِلَّا فَالتَّوَاضُعُ فِي النَّقِيصَةِ نَقِيصَةٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِأَنْ لَا يَضَعَ نَفْسَهُ بِمَكَانٍ يُزْرِي بِهِ وَيُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ حَقِّ الْحَقِّ وَالْخَلْقِ فَإِنَّ الْقَصْدَ بِالتَّوَاضُعِ خَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْخَوَّاصُ إيَّاكَ وَالْإِكْثَارَ مِنْ ذِكْرِ نَقَائِصِك؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَقِلُّ شُكْرُك فَمَا رَبِحْته مِنْ جِهَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute