للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا عَنْ الصَّحَابَةِ يَرُدُّهُ خَبَرُ الْحَاكِمِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «هَذَا يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى لِرَجُلٍ مُقَنَّعٍ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» ، وَأَيْضًا رُئِيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُقَنَّعٌ، وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ الطَّيَالِسَةَ ثُمَّ قَالَ هُوَ مُبَاحٌ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بَلْ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ صَارَ شِعَارَ قَوْمٍ كُرِهَ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْلَالٌ بِالْمُرُوءَةِ. انْتَهَى مُلَخَّصًا أَيْضًا.

ثُمَّ أَقُولُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مِنْ الطَّيْلَسَانِ هُنَا التَّسْوِيمُ لِكَوْنِ سُنِّيَّتِهِ آكَدُ؛ وَلِكَوْنِهِ فِي نَظَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ أَهَمَّ إذْ التَّسْوِيمُ الَّذِي هُوَ إرْخَاءُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: ١٢٥] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَوَّمَتْ»

وَكَيْفِيَّتُهُ إرْسَالُهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ قَرِيبًا إلَى الْقَفَا مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ، وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَنِّبُوا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُذَنِّبُ» ، وَعَنْهُ أَيْضًا «رَكْعَتَانِ مَعَ الذَّنَبِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا ذَنَبٍ» ، وَعَنْ الطِّيبِيِّ التَّسْوِيمُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَفِي الْفَتَاوَى سُنَّةٌ أَيْضًا، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ، وَفِي صُرَّةِ الْفَتَاوَى سُئِلَ صَاحِبُ الْمِنَحِ عَنْ إرْسَالِ الْعَذَبَةِ هَلْ هِيَ سُنَّةٌ عَلَى الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، وَهَلْ تَارِكُ الْعَذَبَةِ يَكُونُ فَاسِقًا أَوْ لَا، وَلَوْ ضَحِكَ إنْسَانٌ عَلَى مَنْ يُرْسِلُ الْعَذَبَةِ هَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا، وَأَجَابَ الْمَنْقُولُ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ كَالْخُلَاصَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الشِّرْعَةِ أَنَّ الْعَذَبَةَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ قِيلَ شِبْرٌ وَقِيلَ إلَى وَسَطِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ، وَلَا يَفْسُقُ بِتَرْكِهِ لَكِنَّهُ مُسِيءٌ، وَكَرَاهِيَةٌ فَيَأْثَمُ، وَلَوْ بِيَسِيرٍ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْيُسْرِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمَّا كَانَتْ طَرِيقَةَ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ، وَكَانَ سَبِيلُهَا الْإِحْيَاءَ دُونَ الْإِمَاتَةِ كَانَتْ حَقًّا عَلَيْنَا فَعُوتِبْنَا عَلَى تَرْكِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّرْكُ عَلَى طَرِيقِ التَّهَاوُنِ وَالِاسْتِخْفَافِ فَحِينَئِذٍ يَكْفُرُ أَوْ يَفْسُقُ لِرُجُوعِ ذَلِكَ إلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ هَذَا إذَا تَرَكَ سُنَّةَ الْهَدْيِ.

وَأَمَّا سُنَنُ الزَّوَائِدِ فَتَارِكُهَا لَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَتَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَعَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ قَصَصْت شَارِبَك، وَأَلْقَيْت الْعِمَامَةَ عَلَى الْعَانِقِ اسْتِخْفَافًا يَكْفُرُ أَوْ قَالَ مَا أَقْبَحَ امْرَأً قَصَّ شَارِبَهُ، وَلَفَّ طَرَفَ الْعِمَامَةِ عَلَى الْعُنُقِ كَفَرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. انْتَهَى.

وَعَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَنَّ الشِّبْرَ لِلْعَوَامِّ، وَإِلَى وَسَطِ الظَّهْرِ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَإِلَى الْمَقْعَدِ لِلْمُفْتِي، وَإِرْسَالُهُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ كَمَا عَرَفْت، وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، وَقِيلَ أَيُّ مَوْضِعٍ كَانَ، فَفَوْقَ الْأُذُنَيْنِ أَوْ قُدَّامَهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ إرْسَالُهُ تَحْتَ الْحَنَكِ، وَقِيلَ إرْسَالُهُ مِنْ الْقُدَّامِ سُنَّةٌ، وَعَنْ الطِّيبِيِّ قَدْرُ ثَلَاثِ قَبَضَاتٍ لِضَعِيفِ الْإِيمَانِ، وَقَبْضَتَانِ لِمُتَوَسِّطِ الْإِيمَانِ، وَأَزْيَدُ مِنْهَا لِكَامِلِ الْإِيمَانِ. وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ أَنَّ التَّسْوِيمَ لِلْقَاضِي قَدْرُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أُصْبُعًا؛ وَلِلْخَطِيبِ إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ وَلِلْعُلَمَاءِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ - سَبْعَةَ عَشْرَةَ؛ وَلِلْعَوَامِّ سَبْعٌ؛ وَلِلصُّوفِيِّ الْعَامِّيِّ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِابْنِ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيِّ عَمَّمَ ابْنُ عَوْفٍ وَسَدَلَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ثُمَّ قَالَ فَالسُّنَّةُ تَحْصُلُ بِكُلٍّ لَكِنْ الْأَفْضَلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ السَّدْلَ مِنْ وَرَاءُ، وَأَمَامُ لِمَنْ أَرَادَ إرْخَاءَ طَرَفَيْهَا، وَإِلَّا فَالْمُكَتَّفِي بِوَاحِدٍ فَالْأَفْضَلُ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ثُمَّ الْمَنْكِبِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُسْدِلُ دَائِمًا، وَعَنْ عَبْدِ الْحَقِّ السُّنَّةُ إرْخَاءُ طَرَفِهَا وَيَتَحَنَّكُ بِهِ، وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ قِيلَ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ عَمَائِمُ الشَّيْطَانِ.

(وَ) تَرْكُ (تَقْصِيرِ الثِّيَابِ) إذْ السُّنَّةُ جَعْلُهَا لِأَنْصَافِ السَّاقِ، وَهُوَ مُبَاحٌ إلَى الْكَعْبِ وَمَا جَاوَزَهُ حَرَامٌ مَعَ الْخُيَلَاءِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ فَقْدِهَا قَالَ فِي الشِّرْعَةِ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ قَمِيصًا تَارَةً إلَى الرُّسْغِ ذَيْلُهُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُسْتَوِيَ الْكُمَّيْنِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ فَعَلَى هَذَا تَقْصِيرُ الثِّيَابِ سُنَّةٌ، وَفِي شَرْحِهِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَطَعَ قَمِيصَهُ مِنْ رَأْسِ الْأَصَابِعِ فَعَابَهُ الْخَوَارِجُ فَقَالَ أَتَعِيبُونَنِي عَلَى لِبَاسٍ هُوَ أَبْعَدُ عَنْ الْكِبْرِ، وَأَجْدَرُ أَنْ يُقْتَدَى فِي الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَالَ فِي الشِّرْعَةِ وَإِسْبَالُ الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ بِدْعَةٌ أَيْ تَطْوِيلُهُمَا، وَفِي شَرْحِهِ عَنْ شَرْحِ الْمَصَابِيحِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إزَارَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ خُسِفَ بِهِ، وَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» .

(وَ) تَرْكُ (تَرْقِيعِهَا) قَالَ فِي الشِّرْعَةِ، وَعَنْ سُنَّةِ الْإِسْلَامِ لُبْسُ الْمُرَقَّعِ وَالْخَشِينِ، وَأَيْضًا هُوَ مِنْ سُنَّةِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>