للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَعْدِ وَالْغَضَبُ لِغَيْرِ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الدِّينِ وَضَعْفُ الْحَمِيَّةِ كَالتَّهَاوُنِ بِتَرْكِ الْمُتَعَرِّضِ لِحَرَمِهِ وَعِرْضِهِ وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ عَنْ أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ وَلَكِنْ فِي الْفَتَاوَى سُقُوطُ الْعَدَالَةِ بِهِ، وَتَرْكُ الْجَمَاعَةِ اسْتِخْفَافًا وَشَغْلُ الطَّرِيقِ بِوُقُوفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ وَالتَّعَصُّبُ وَالْمُدَاهَنَةُ وَقَوْلُ الْمُسْلِمِ لِذِمِّيٍّ يَا كَافِرُ وَالدُّعَاءُ بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَبِحَقِّ فُلَانٍ (وَأَمَّا حَدُّهُمَا) فَإِذَا عُلِمَ حَدُّ الْكَبِيرَةِ عُلِمَ حَدُّ الصَّغِيرَةِ وَكَثُرَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَزُيِّفَتْ كُلُّهَا لَكِنْ هِيَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَا تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأُورِدَ بِأَنَّ نَحْوَ النَّوْحِ لِلْمُصِيبَةِ صَغِيرَةٌ مَعَ وُرُودِ وَعِيدٍ وَفِي الْعَيْنِيِّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ هِيَ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِعْلُ الْقَلْبِ الْمَذْمُومُ كَالْحَسَدِ الْمُتَعَمَّدِ عِنْدَنَا عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِمُجَرَّدِهِ وَصَغِيرَةٌ إنْ صَمَّمَ وَعَزَمَ وَكَبِيرَةٌ إذَا فَعَلَ وَأَصَرَّ لَعَلَّ الْحَقَّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ حَدُّهَا وَلَا عَدُّهَا فَلَا مَطْمَعَ فِي مَعْرِفَتِهَا وَرُبَّمَا قَصَدَ الشَّرْعُ إبْهَامَهُ كَإِبْهَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثُمَّ إنَّ الصَّغَائِرَ إنَّمَا تَكُونُ وَاحِدَةً صَغِيرَةً إذَا كَانَ مُسْتَعْظِمًا لِفِعْلِهَا خَائِفًا مِنْ عِقَابِهَا وَأَمَّا إذَا فَعَلَهَا مُتَهَاوِنًا بِهَا فَكَبِيرَةٌ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ وَاسْتِخْفَافُ الصَّغِيرَةِ كُفْرٌ إذَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ وَإِصْرَارُ الصَّغِيرَةِ غَلَبَةٌ لِلْمَعَاصِي عَلَى الطَّاعَاتِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقِيلَ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى صَغِيرَةٍ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ وَالْمَكْرُوهُ التَّحْرِيمِيُّ مِنْ الصَّغَائِرِ إلَى هُنَا مِنْ الزَّيْنِيَّةِ وَفِيهِ زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ

(وَضِدُّهُ) أَيْ الْإِصْرَارِ (الْإِبَانَةُ وَالتَّوْبَةُ وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهَا تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَخَوْفًا مِنْ عِقَابِهِ) لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ كَالضَّرَرِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَالِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ بَعْضٍ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى أُخْرَى وَتَصِحُّ وَلَوْ بَعْدَ نَقْضِهَا مِرَارًا وَالْكَبِيرَةُ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَهَا مُكَفِّرَاتٌ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ وَالِاسْتِغْفَارِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَبُولُ التَّوْبَةِ مِنْ الْكُفْرِ قَطْعِيٌّ اتِّفَاقًا وَمِنْ الْمَعَاصِي أَيْضًا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ظَنِّيٌّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ لَا يُكَفِّرُ الْكَبِيرَةَ وَمُرَادُ مَنْ قَالَ بِالتَّكْفِيرِ لَيْسَ سُقُوطَ قَضَاءِ الْعِبَادَاتِ وَالْمَظَالِمِ وَالدُّيُونِ بَلْ يُكَفِّرُ إثْمَ تَأْخِيرٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حِينَ فَرَاغِ الْحَجِّ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْآنَ كَبِيرَةً وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ كَذَا فِي الزَّيْنِيَّةِ أَيْضًا وَعَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ أَنَّ حَدِيثَ تَكْفِيرِ الْحَجِّ التَّبِعَاتِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ بَلْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى شِدَّةِ ضَعْفِهِ فَمَا فِي الْمُبَارِقِ الْمَغْفُورُ هُوَ الصَّغَائِرُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا رَجَوْنَا أَنْ يَغْفِرَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِعُمُومِ وقَوْله تَعَالَى - {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: ١١٤]- وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْهُمَا كُتِبَ بِهِ الْحَسَنَاتُ فَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ رَأْيًا فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ لِعَدَمِ مَنْ سَبَقَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ بَلْ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ مَكْفَرِيَّةِ الْكَبَائِرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَكَذَا أَيْضًا فِي الْمَبَارِقِ فِي حَدِيثِ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .

قَالَ شَارِحُهُ حُقُوقُ الْعِبَادِ لَا تُغْفَرُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ التَّشْبِيهُ فِي الْخُلُوِّ عَمَّا سِوَاهَا لَكِنْ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَنْ يَغْفِرَ مَظَالِمَ الْحُجَّاجِ وَجَدَّ فِيهِ حَتَّى يَسْتَجِيبَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فَضَحِكَ مُسْتَبْشِرًا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي التَّشْبِيهِ فِي الْخُلُوِّ عَنْ كُلِّ الذُّنُوبِ انْتَهَى، وَكَذَا أَيْضًا مَا فِيهِ فِي حَدِيثِ «أَمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ» إلَى قَوْلِهِ وَأَنَّ «الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ» رُوِيَ «عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ سَأَلَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُزْدَلِفَةِ أَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَ جَمِيعِ الْحُجَّاجِ وَقَالَ فِي دُعَائِهِ حَتَّى الدِّمَاءَ وَالْمَظَالِمَ وَأَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ» .

وَكَذَا قَالَ فِي الْمُنَاوِيِّ وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ حَتَّى الدِّمَاءَ وَالْمَظَالِمَ وَأَخَذَ بِهِ جَمْعٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُنَاوِيِّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ وَالتَّبِعَاتِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقُرْطُبِيُّ وَعِيَاضٌ لَكِنْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَظَالِمِ عَلَى مَنْ تَابَ وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا الْعِبَادِ وَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ نَفْسُهُ بَلْ مَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ تَأْخِيرِهَا لَا نَفْسُهَا فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَهُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ انْتَهَى كَمَا سَمِعْت آنِفًا لَعَلَّ لَيْسَ مَعْنَى النَّصِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>