إذْهَابَ مُطْلَقِ الْحَسَنَةِ مُطْلَقَ السَّيِّئَةِ بَلْ لِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةٌ صَالِحَةٌ لِإِذْهَابِهَا كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ مَثَلًا حَسَنَةٌ مُذْهِبَةٌ لِسَيِّئَةِ فَوْتِ الصَّلَاةِ وَكَذَا أَدَاءُ الدُّيُونِ وَهَكَذَا وَبِالْجُمْلَةِ يَعْمَلُ مَكَانَ السَّيِّئَةِ حَسَنَةٌ لَكِنْ مِنْ جِنْسِهَا وَقَضَائِهَا وَكَذَا فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ فَالْإِعْتَاقُ حَسَنَةٌ مَكَانَ الْقَتْلِ أَوْ حِنْثِ الْيَمِينِ وَالثَّنَاءُ وَالِاسْتِحْلَالُ حَسَنَةٌ فِي الْغِيبَةِ (وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ) قَالَ فِي الزَّيْنِيَّةِ التَّوْبَةُ مِنْ الذَّنْبِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْفَوْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ تَأْخِيرِ التَّوْبَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْوَاجِبُ التَّوْبَةُ وَالنَّدَمُ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّفْكِيرِ بِحَسَنَةٍ تُضَادُّهَا فَإِنْ لَمْ تُسَاعِدْهُ نَفْسُهُ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى التَّرْكِ فَقَدْ فَاتَهُ أَحَدُ الْوَاجِبَيْنِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَهُ الْوَاجِبُ الْآخَرُ وَهُوَ مَحْوُهَا بِالْحَسَنَةِ لِيَكُونَ مِمَّنْ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا وَتِلْكَ الْحَسَنَاتُ إمَّا بِالْقَلْبِ كَالتَّضَرُّعِ وَطَلَبِ الْعَفْوِ وَالتَّذَلُّلِ وَإِمَّا بِاللِّسَانِ كَالِاعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ وَإِمَّا بِالْجَوَارِحِ كَالطَّاعَاتِ وَالصَّدَقَاتِ.
وَفِي الْآثَارِ ثَمَانِيَةٌ يُرْجَى بِهَا الْعَفْوُ أَرْبَعَةٌ لِلْقَلْبِ التَّوْبَةُ وَالْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ وَحُبُّ الْإِقْلَاعِ عَنْهُ وَخَوْفُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ وَأَرْبَعَةٌ مِنْ الْجَوَارِحِ وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ عَقِيبَ الذَّنْبِ رَكْعَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَهُمَا سَبْعِينَ مَرَّةً وَيَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَصُومَ يَوْمًا كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ} [النور: ٣١] إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْفَوْرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ كَالشَّافِعِيِّ {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١] {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨] الْآيَةَ) أَيْ التَّوْبَةَ الْبَالِغَةَ فِي النُّصْحِ وَقِيلَ أَنْ يَتُوبَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إلَى مَا تَابَ عَنْهُ أَبَدًا وَنُقِلَ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ فِي التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ قَوْلًا وَأَحْسَنُهَا مَا رَوَى أَبُو اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهَا النَّدَمُ بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ وَالْإِضْمَارُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ أَبَدًا وَسُئِلَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ تَجْمَعُهَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ عَلَى الْمَاضِي مِنْ الذُّنُوبِ النَّدَامَةُ وَلِلْفَرَائِضِ الْإِعَادَةُ وَرَدُّ الْمَظَالِمِ وَاسْتِحْلَالُ الْخُصُومِ وَأَنْ تَعْزِمَ عَلَى أَنْ لَا تَعُودَ وَأَنْ تُذِيبَ نَفْسَك فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا رَبَّيْتهَا فِي الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ تُذِيقَهَا مَرَارَةَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتهَا حَلَاوَةَ الْمَعَاصِي {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} [البقرة: ٢٢٢] أَيْ كَثِيرِي التَّوْبَةِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفْتَتَنٍ تَوَّابٍ» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ مُمْتَحَنٍ يَمْتَحِنُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّنْبِ ثُمَّ يَتُوبُ ثُمَّ يَعُودُ ثُمَّ يَتُوبُ. قَالَ بَعْضٌ رُبَّ ذَنْبٍ يَكُونُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْفَعَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الطَّاعَاتِ مِنْ وَجَلِهِ وَإِنَابَتِهِ فَيَكُونُ تَوَّابًا يَعْنِي كُلَّمَا تَكَرَّرَ الذَّنْبُ تَكَرَّرَتْ التَّوْبَةُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَعَاصِيَ إمَّا كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَارْتِدَادٌ فَتَوْبَتُهُ نِدَامٌ كَامِلٌ وَإِسْلَامٌ خَالِصٌ فَهَلْ يُثَابُ عَلَى حَسَنَاتِهِ حَالَ الْكُفْرِ بَعْدَ إسْلَامِهِ أَوْ لَا؟ قِيلَ نَعَمْ لَكِنْ بِلَا تَضْعِيفٍ بِعَشَرَةِ حَسَنَاتٍ وَقِيلَ لَا وَإِمَّا بِدْعَةٌ فِي الِاعْتِقَادِ فَتَوْبَتُهُ أَيْضًا نَدَمٌ كَامِلٌ وَاعْتِقَادُ حَقٍّ وَإِمَّا مَعَاصٍ فَرْعِيَّةٌ فَإِنْ بِتَرْكِ الْفَرَائِضِ كَالصَّلَاةِ فَفِيهِ مَعْصِيَتَانِ مَعْصِيَةُ التَّأَخُّرِ فَتَوْبَتُهُ نَدَمٌ كَامِلٌ وَمَعْصِيَةُ التَّرْكِ فَتَوْبَتُهُ قَضَاءٌ فَوْرًا فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَيْضًا مَعْصِيَةٌ أُخْرَى فَيَتُوبُ لَهُ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُسَاعِدْهُ وَقْتُهُ كَمَرَضِ مَوْتِهِ فَيُوصِي بِالْفِدْيَةِ.
وَأَمَّا الصَّلَاةُ الَّتِي أُدِّيَتْ بِالْكَرَاهِيَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ كَتَرْكِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ فَقَضَاؤُهَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لَكِنْ وَاجِبٌ عَلَى مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَلَاءِ عَنْ الْهِدَايَةِ وَالْوَاقِعُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ مُعَدَّلِ الصَّلَاةِ لَهُ اللَّازِمُ هُوَ الْإِعَادَةُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَكَذَا الصَّلَاةُ الَّتِي أَفْسَدَهَا وَلَوْ نَفْلًا ثُمَّ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالنُّذُورُ وَالضَّحَايَا فَتُقْضَى لَكِنْ بِلَا حِيلَةٍ إذْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ ثُمَّ الصَّوْمُ إنْ قَضَاءً فَقَطْ أَوْ مَعَ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا ثُمَّ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَيُوصِي بِهِ وَإِنْ حَجَّ لِاحْتِمَالِ صُدُورِ الْكُفْرِ عَلَى مَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ لَكِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ وَإِنْ أَفْلَسَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ فَعَلَيْهِ الْكَسْبُ أَوْ السُّؤَالُ لِلْحَجِّ وَإِنْ صَدَرَ عَنْهُ الْكُفْرُ اعْتِقَادًا أَوْ عَمَلًا أَوْ قَوْلًا فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الْحَجِّ دُونَ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَلَا تَجِبُ بَعْدَ الْكُفْرِ وَإِنْ بَطَلَ ثَوَابُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَاصِي بِفِعْلِ الْمُنْهَيَاتِ فَإِنْ مِمَّا بَيْنَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute