للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِلَا تَعَلُّقِ حَقِّ عَبْدٍ كَالْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ جَنَابَةً وَكَلَامِ الدُّنْيَا وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ وَالْمُسَافِرِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِلَا وُضُوءٍ وَكَضَرْبِ الْمَلَاهِي وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا طَوْعًا فَيَتُوبُ تَوْبَةً نَصُوحًا بِلَا لُزُومِ أَنْ يَفْضَحَ نَفْسَهُ وَيَهْتِكَ وَيَلْتَمِسَ مِنْ الْوَالِي الِاسْتِيفَاءَ بَلْ يَسْتُرُ وَيُقِيمُ حُدُودَهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُجَاهَدَاتِ وَالضَّرَعَاتِ فِي الْخَلَوَاتِ سِيَّمَا الْأَسْحَارُ وَلَوْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى الْوَالِي لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ لَكَانَ أَفْضَلَ كَمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وَإِنْ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْحَيَوَانِ كَالْوَطْءِ وَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ بِلَا عُذْرٍ وَكَضَرْبِ وَجْهِهِ وَلَوْ بِعُذْرٍ وَالرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ فَوْقَ الطَّاقَةِ وَعَدَمِ إعْطَاءِ الْعَلَفِ وَالْمَاءِ فَمُشْكِلٌ جِدًّا فَلَيْسَ لَهُ إلَّا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ وَالتَّضَرُّعُ وَالْبُكَاءُ وَإِنْ بِمَظْلِمَةِ الْعِبَادِ فَخَمْسَةٌ مَالِيٌّ وَنَفْسِيٌّ وَعِرْضِيٌّ وَمَحْرَمِيٌّ وَدِينِيٌّ فَالْمَالِيٌّ كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ وَالْغَبْنِ وَتَرْوِيجِ زَيْفٍ وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِالْيَدِ أَوْ بِشَهَادَةِ الزُّورِ أَوْ بِالْغَمْزِ إلَى الظَّالِمِ أَوْ بِالْحُكْمِ جَوْرًا أَوْ بِالرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا فَيَتُوبُ ثُمَّ يَسْتَحِلُّ وَلَوْ حَبَّةً أَوْ ذَرَّةً وَإِنْ صَدَرَ حَالَ الصِّبَا إذْ الْغَرَامَاتُ الْمَالِيَّةُ لَازِمَةٌ عَلَى الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْضِهِ فِي الدُّنْيَا فَسَيُعْطِهِ فِي الْآخِرَةِ فَإِنْ مَاتَ الْمَالِكُ فَلْيُعْطِهِ إلَى وَارِثِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ الْمَالِكُ فَلْيُعْطِهِ إلَى الْفَقِيرِ بِنِيَّةِ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ تَعَالَى وَيُوصِلْهَا إلَى صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ يَصْرِفُهُ إلَى الْمَصَالِحِ نَحْوُ الْقَنَاطِرِ وَلَوْ صَرَفَ إلَى فُقَرَاءِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْمَوْلُودِينَ لَكَانَ مَعْذُورًا كَمَا قِيلَ وَإِنْ عَجَزَ فَبِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى إنْ شَاءَ يُعْطِي مِنْ حَسَنَاتِهِ أَوْ يَحْمِلُ سَيِّئَاتِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ يُرْضِيهِ عَنْهُ وَأَمَّا حَقُّ الْكَافِرِ إنْ لَمْ يُسْتَرْضَ فَمُشْكِلٌ جِدًّا قِيلَ يَجُوزُ إرْضَاؤُهُ تَعَالَى بِتَخْفِيفِ عَذَابِهِ وَأَمَّا النَّفْسِيُّ فَإِنْ مِمَّا يُوجِبُ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْإِفْرَاطِ فَيَتُوبُ أَوَّلًا وَيُسَلِّمُ نَفْسَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثَانِيًا إنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ شَاءَ صَالَحَ عَلَى مَالٍ وَإِنْ مِمَّا يُوجِبُ الدِّيَةَ فَيَتُوبُ وَيُعْطِي أَيْضًا أَوْ يَسْتَحِلُّ وَأَمَّا الْعَرْضِيُّ كَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالشَّتْمِ فَالتَّوْبَةُ وَالِاسْتِحْلَالُ وَشُرِطَ فِي الْبُهْتَانِ تَكْذِيبُ نَفْسِهِ عِنْدَ مَنْ بَهَتَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِحْلَالُ بِالْوَارِثِ فِي هَذَا النَّوْعِ.

وَأَمَّا الْمَحْرَمِيُّ كَالْخِيَانَةِ لِأَهْلِ الْغَيْرِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَتُوبُ وَيَسْتَحِلُّ وَإِنْ خَافَ تَهَيُّجَ فِتْنَةٍ فَيَضْرَعُ وَيَبْكِي وَيَدْعُو لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَيَتَصَدَّقُ لَهُ وَأَمَّا الدِّينِيُّ كَالتَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ فَيَتُوبُ وَيَسْتَرْضِي وَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ كَمَا مَرَّ وَاعْلَمْ أَنَّ فِيمَا ذُكِرَ كُلُّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوقِ يَقِينًا فَيَعْمَلُ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ مِنْ أَوَانِ الْبُلُوغِ أَوْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ إلَى أَوَانِ التَّوْبَةِ ثُمَّ الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ لَا يَكْفِي عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَيَكْفِي عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ حَلِّلْنِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَك عَلَيَّ فَأَبْرَأَهُ فَإِنْ عَلِمَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بَرِئَ مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَبَرِئَ قَضَاءً إجْمَاعًا.

وَأَمَّا دِيَانَةً فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَبْرَأُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْرَأُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلِهَذَا قِيلَ الِاسْتِحْلَالُ الْمُبْهَمُ مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الْأَمَةِ قَالَ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي مِمَّا عَلَيَّ فَقَالَ أَبْرَأْتُك قَالَ النَّضْرُ لَا يَبْرَأُ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ يَبْرَأُ مِنْ الْكُلِّ وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ مَا قَالَهُ النَّضْرُ حُكْمُ الْآخِرَةِ وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ حُكْمُ الْقَضَاءِ قَالَ أَبْرَأْت جَمِيعَ غُرَمَائِي أَوْ كُلَّ غَرِيمٍ لِي فَهُوَ حِلٌّ أَوْ لَيْسَ لِي بِالدَّيْنِ شَيْءٌ لَا يَبْرَأُ وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَبْرَأُ وَتَمَامُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الثُّلُثَيْنِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِلتَّتَارْخَانِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ هُوَ الْإِبْرَاءُ لَا سِيَّمَا الْمُعْسِرَةُ.

وَلِذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ» (هق. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» فِي مُجَرَّدِ الْخُلُوِّ عَنْ الْإِثْمِ لَا فِي الْمَرْتَبَةِ وَلَكِنْ فِي الزَّيْنِيَّةِ عَنْ جَابِرٍ التَّائِبُ عِنْدَ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الشَّهِيدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>