الْمَرْفُوعِ بِغَيْرِ عَمَدٍ وَمَجَارِي هَذِهِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ وَفِي النَّصَائِحِ امْلَأْ عَيْنَيْك مِنْ زِينَةِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ وَأَجْلِهِمَا فِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْعَجَائِبِ مُتَفَكِّرًا فِي قُدْرَةِ مُقَدِّرِهَا وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى» .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْضًا كَالسَّمَوَاتِ بِكَوَاكِبِهَا وَحَرَكَتِهَا وَدَوَرَانِهَا فِي طُلُوعِهَا وَغُرُوبِهَا وَالْأَرْضِ بِمَا فِيهَا مِنْ جِبَالِهَا وَمَعَادِنِهَا وَأَنْهَارِهَا وَبِحَارِهَا وَحَيَوَانَاتِهَا وَنَبَاتِهَا وَمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْجَوُّ بِغُيُومِهِ وَأَمْطَارِهِ وَرَعْدِهِ وَبَرْقِهِ وَصَوَاعِقِهِ فَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ مِنْهُ إلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى أُلُوفٌ مِنْ الْحِكْمَةِ فِيهَا شَاهِدَةٌ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ دَالَّةٌ عَلَى عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ ثُمَّ قَالَ قَالُوا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذَا تَعَبَّدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَظَلَّتْهُ سَحَابَةٌ فَفَعَلَهُ رَجُلٌ فَلَمْ تُظِلَّهُ فَشَكَا لِأُمِّهِ فَقَالَتْ لَعَلَّك أَذْنَبْت قَالَ لَا فَقَالَتْ هَلْ نَظَرْت إلَى السَّمَاءِ فَرَدَدْت طَرْفَك غَيْرَ مُتَفَكِّرٍ فِيهَا قَالَ نَعَمْ قَالَتْ مِنْ هُنَا أَذْنَبْت فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُهْمِلَ التَّفَكُّرَ وَمِنْ الْجَوَائِزِ أَنْ تَرُوحَ غَدًا مَعَ الْجَنَائِزِ فَالْعَاقِلُ يَتَفَكَّرُ فِي نَهَارٍ يَحُولُ وَلَيْلٍ يَزُولُ وَشَمْسٍ تَجْرِي وَقَمَرٍ يَسْرِي وَسَحَابٍ مُكْفَهِرٍّ وَبَحْرٍ مُسْتَطِرٍ وَخَلْقٍ تَمُورُ وَوَالِدٍ يَتْلَفُ وَوَلَدٍ يَخْلُفُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا بَاطِلًا وَإِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْوَابًا وَأَحْقَابًا وَحَشْرًا وَنَشْرًا وَثَوَابًا وَعِقَابًا وَالتَّفَكُّرُ أَرْبَعَةٌ فِكْرٌ فِي آيَاتِ اللَّهِ وَفِكْرٌ فِي خَلْقِهِ وَعَلَامَتُهُ تَوَلُّدُ الْمَحَبَّةِ وَفِكْرٌ فِي وَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ وَعَلَامَتُهُ تَوَلُّدُ الرَّغْبَةِ وَفِكْرٌ فِي وَعِيدِهِ بِالْعَذَابِ وَعَلَامَتُهُ تَوَلُّدُ الرَّهْبَةِ وَفِكْرٌ فِي جَفَاءِ النَّفْسِ مَعَ إحْسَانِ اللَّهِ وَعَلَامَتُهُ تَوَلُّدُ الْحَيَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (حَتَّى يَزِيدَ وَيَعْظُمَ) أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّفَكُّرِ (مَعْرِفَةُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ فَيَحْصُلُ فِيهِ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّوْقُ إلَيْهِ وَالْأُنْسُ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: ١٩١] اسْتِدْلَالًا وَاعْتِبَارًا وَهُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ.
كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا عِبَادَةَ كَالتَّفَكُّرِ» {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا} [آل عمران: ١٩١] أَيْ يَتَفَكَّرُونَ قَائِلِينَ ذَلِكَ وَفِي الْجَامِعِ فِكْرُ سَاعَةٍ أَيْ صَرْفُ الذِّهْنِ لَحْظَةً مِنْ الْعَبْدِ فِي تَدَبُّرِ تَقْصِيرِهِ وَتَفْرِيطِهِ فِي حُقُوقِ الْحَقِّ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَحُضُورِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمُحَاسَبَتِهِ وَخَوْفِ خُسْرَانِهِ وَجَوَازِهِ عَلَى الصِّرَاطِ وَشِدَّتِهِ وَحِدَّتِهِ وَنَحْوِهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً بِلَا تَفَكُّرٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لِأَنَّ تَفَكُّرَهُ بِنَحْوِ مَا ذُكِرَ يُقَوِّي خَوْفَهُ وَيَجْمَعُ هِمَّتَهُ وَصَارَتْ الْآخِرَةُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَتَقَعُ الْعِبَادَةُ بِفَرَاغِ قَلْبٍ وَنَشَاطٍ وَجِدٍّ وَمَنْ قَلَّ تَفَكُّرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute