للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا الْمُرَادُ الصَّلَاحُ فِي اعْتِقَادِهِمْ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي النِّصَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ وَلَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فَلَمْ يُنْكِرُوا فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْقَوْمُ جَمِيعًا لِلْعُقُوبَةِ.

وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِك أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ قَالَ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ قَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ.

وَفِي النِّصَابِ «يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صُورَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ بِمَا دَاهَنُوا أَهْلَ الْمَعَاصِي وَكَفُّوا عَنْ نَهْيِهِمْ وَيَسْتَطِيعُونَ» .

وَفِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ظَالِمًا لَا يُجِلُّ كَبِيرَكُمْ وَلَا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ وَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ وَيَسْتَنْصِرُونَ فَلَا يُنْصَرُونَ وَيَسْتَغْفِرُونَ فَلَا يُغْفَرُ لَهُمْ.

(حَدّ عَنْ عَدِيٍّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (ابْنِ عَمِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْخَاصَّةَ بِذُنُوبِ الْعَامَّةِ» إذْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى «حَتَّى يُرَى الْمُنْكَرُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ» أَيْ بَيْنَهُمْ فَالْأَظْهُرُ مُقْحَمٌ (وَ) الْحَالُ «هُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُونَهُ» لِمُدَاهَنَتِهِمْ وَضَعْفِهِمْ فِي الدِّينِ فَيَعُمُّ الْعَذَابُ كُلَّهُمْ.

وَرُوِيَ أَنَّ جَبْرَائِيلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ أُمِرَ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمَ لُوطٍ بِأَعْمَالِهِمْ نَزَلَ فَضَرَبَ جَنَاحَهُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْمَاءِ وَنَهَضَ لِلْعُرُوجِ إلَى السَّمَاءِ وَعَلَى جَنَاحِهِ خَمْسُ مَدَائِنَ مِنْ مَدَائِنِ قَوْمِ لُوطٍ فَنَظَرَ فِيهَا سَاعَةً فَرَأَى ثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَتَهَجَّدُونَ وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْخَبَائِثَ لَا يَزِيدُونَ عَنْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ فَنَاجَى رَبَّهُ فَقَالَ إلَهِي كَيْفَ أُهْلِكُ قَوْمًا وَفِيهِمْ كَذَا وَكَذَا فِي التَّهَجُّدِ قَالَ يَا جَبْرَائِيلُ لَا أَتَقَبَّلُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَنْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ.

أَخْرَجَ (عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ يَحْيَى بْنِ عُطَارِدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَا جَمِيعُ الْأَعْمَالِ الْبِرُّ» الطَّاعَةُ «وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ «عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ» فِي قِلَّتِهِ.

( «إلَّا كَنَفْثَةٍ» أَيْ كَنَفْخَةٍ ( «فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ» مَنْسُوبٌ إلَى اللُّجِّ وَهُوَ مُعْظَمُ الْمَاءِ أَيْ بَحْرٍ عَظِيمٍ لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ أَيْ كَإِلْقَاءِ بُزَاقٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْبَحْرِ فَكَمَا أَنَّ النَّفْثَةَ الْوَاحِدَةَ فِي جَنْبِ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ فَكَذَلِكَ ثَوَابُ سَائِرِ الْأَعْمَالِ فِي جَنْبِ ثَوَابِ الْحِسْبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ وَعَنْ الْمَوَاهِبِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِعِظَمِ ثَوَابِهَا وَأَنَّهُ يَكَادُ أَنْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا إذْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَ النَّفْثَةِ وَالْبَحْرِ (فَمِنْ هَذَا) الْحَدِيثِ الَّذِي دَلَّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْحِسْبَةِ.

(قَالَ الْفُقَهَاءُ الْحِسْبَةُ) أَيْ الْقِيَامُ بِنَامُوسِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَفِي النِّصَابِ تَفْصِيلُ مَعْنَى الِاحْتِسَابِ وَالْحِسْبَةِ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ مُرِيدُهُ (آكَدُ مِنْ الْجِهَادِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>