وَإِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَفِي النِّصَابِ «قِيلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ صِلَةُ الرَّحِمِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ» .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠] (فَإِنَّهُ) أَيْ الْجِهَادُ (لَا يَجُوزُ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْقَتْلِ) قَتْلِ الْكَفَرَةِ (وَعَدَمِ النِّكَايَةِ) عَدَمِ الْجِرَاحَةِ وَالضَّرَرِ وَالتَّأْثِيرِ لَهُمْ (لِلْكَفَرَةِ) بِجِهَادِهِ مَعَهُمْ بِالْجُرْحِ وَالضَّرَرِ وَالتَّأْثِيرِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِالْيَدِ إلَى التَّهْلُكَةِ بِلَا فَائِدَةٍ.
(وَتَجُوزُ الْحِسْبَةُ) حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُوا عَنْ فَائِدَةٍ إمَّا لِلسَّامِعِ أَوْ لِلْفَاسِقِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَلَوْ فَاسِقًا إذَا رَأَى أَوْ سَمِعَ بَذْلَ الْمُحْتَسِبِ نَفْسَهُ إحْيَاءً لِدِينِهِ يَكُونُ مُتَأَثِّرًا بِخِلَافِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ حَقًّا وَيَرْجُونَ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ أَجْرًا فَضْلًا عَنْ التَّأْثِيرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي.
(وَيَكُونُ) حِينَئِذٍ لَوْ مَاتَ بِهَا (مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ) (صب) أَصْبَهَانِيٌّ (عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَزَالُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تَنْفَعُ مَنْ قَالَهَا وَتَرُدُّ عَنْهُمْ الْعَذَابَ وَالنِّقْمَةَ» فِي الدَّارَيْنِ «مَا لَمْ يَسْتَخِفُّوا بِحَقِّهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الِاسْتِخْفَافُ بِحَقِّهَا قَالَ نَظَرُ الْعَبْدِ لِمَعَاصِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُنْكِرُ وَلَا يُغَيِّرُ» مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
(حك عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ) «سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ» بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ الْمُصْطَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَجْهُ السِّيَادَةِ تِلْكَ الْعُمُومَةُ أَوْ كَوْنُ قَتْلِهِ عَلَى أَشْنَعِ أُسْلُوبٍ أَوْ سَبْقُ غَزَوَاتِهِ «وَرَجُلٌ قَامَ إلَى أَمِيرٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ» بِالْمَعْرُوفِ «وَنَهَاهُ» عَنْ الْمُنْكَرِ «فَقَتَلَهُ» لِأَجْلِ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ فَحَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالرَّجُلُ الْمَذْكُورُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ فِي الْآخِرَةِ لِمُخَاطَرَتِهِ بِأَنْفَسِ مَا عِنْدَهُ وَهِيَ نَفْسُهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ جَوَازُ تَخْشِينِ الْقَوْلِ مَعَ الْأَمِيرِ الْجَائِرِ وَتَغْلِيظِهِ وَإِنْ ظَنَّ قَتْلَهُ.
اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مَعَ الْأُمَرَاءِ إنَّمَا يَكُونُ بِالتَّعْرِيفِ وَالْوَعْظِ وَأَمَّا تَخْشِينُ الْقَوْلِ وَالْمَنْعُ بِالْقَهْرِ فَيُهَيِّجُ الْفِتْنَةَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اُخْتُصَّ الضَّرَرُ بِنَفْسِهِ فَقَطْ فَيُنْدَبُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا بَعْدَهُ وَلِذَا كَانَ السَّلَفُ يَجْتَرِئُونَ عَلَى الْمُلُوكِ وَلَمْ يُبَالُوا بِبَلِيَّةٍ وَعَذَابٍ وَأَخْلَصُوا النِّيَّةَ فَلِهَذَا أَثَّرَ كَلَامُهُمْ فِي الظَّلَمَةِ وَلَيَّنَ قُلُوبَهُمْ الْقَاسِيَةَ.
وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ قَيَّدَتْ الْأَطْمَاعُ أَلْسُنَ الْعُلَمَاءِ فَسَكَتُوا وَإِنْ تَكَلَّمُوا لَمْ تُسَاعِدْ أَقْوَالُهُمْ فَلَمْ يَنْجُوا وَلَوْ قَصَدُوا اللَّهَ وَحَقَّ الْعِلْمِ لَأَفْلَحُوا فَفَسَادُ الرَّعِيَّةِ بِالْمُلُوكِ وَفَسَادُهُمْ بِفَسَادِ الْعُلَمَاءِ وَفَسَادُهُمْ بِاسْتِيلَاءِ حُبِّ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِسْبَةِ عَلَى الْأَرَاذِلِ وَالصَّعَالِيكِ فَكَيْفَ عَلَى الْأَكَابِرِ وَالْمُلُوكِ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا مِنْ الْعِلْمِ بِلَا عَمَلٍ وَالْمَيْلِ إلَى الدُّنْيَا وَلَا تَخْلِطْ أَعْمَالَنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute