بِزُمْرَتِنَا وَدَاعِي الْمَجَازِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَنْعِ بِإِيهَامٍ ظَاهِرٍ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ تَأْوِيلُهُ وَجَمَعَ الضَّمِيرَ لِيَعُمَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ (د ت عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا» فَاللَّائِقُ أَنْ يَكُونَ تَعَاطِيهِ بَيْنَ الْقَوْمِ إذَا أُرِيدَ النَّظَرُ إلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الْغِمْدِ لَا مَسْلُولًا قَالَ فِي الْفَيْضِ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي تَنَاوُلِهِ فَيَنْجَرِحُ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ فَيُؤْذِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ السِّكِّينُ وَنَحْوُهَا.
(وَ) مِنْهَا (الْقَزَعُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ فَمُهْمَلَةٌ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيَتْرُكَ مِنْهُ مَوَاضِعَ النَّهْيِ وَلِتَقْبِيحِ الصُّورَةِ وَلِتَشِبِّيهِ الْكَفَرَةِ فَإِذَا مُنِعَ مِنْ الصَّبِيِّ فَبِالْأَوْلَى مِنْ الْبَالِغِ ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْأَعَمِّ مِنْ الصَّبِيِّ أَوْ تُجُوِّزَ لَهُ وَفِي الْجَامِعِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «احْلِقُوهُ أَيْ أَزِيلُوا شَعْرَ الرَّأْسِ كُلَّهُ أَوْ اُتْرُكُوهُ كُلَّهُ» فَحَلْقُ الْبَعْضِ مَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا تَنْزِيهًا بِلَا عُذْرٍ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْقَفَا أَوْ النَّاصِيَةِ أَوْ الْوَسَطِ خِلَافًا لِبَعْضِ مَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيهِ وَتَقْبِيحِ الصُّورَةِ وَزِيِّ أَهْلِ الْفَسَادِ بَلْ زِيِّ الْيَهُودِ وَيَشْمَلُ مَا إذَا تَرَكَ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةً أَوْ حَلَقَ الْأَكْثَرَ وَتَرَكَ مَحَلًّا وَاحِدًا وَهُوَ مِنْ كَمَالِ الْمَحَبَّةِ الْمُصْطَفَى لِلْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِهِ حَتَّى فِي شَأْنِ الْإِنْسَانِ مَعَ نَفْسِهِ فَنَهَاهُ عَنْ حَلْقِ بَعْضٍ وَتَرْكِ بَعْضٍ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لِلرَّأْسِ حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَهُ كَاسِيًا وَبَعْضَهُ عَارِيًّا وَنَظِيرُهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَوْلُهُ احْلِقُوهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَلْقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَخَصَّ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِالضَّرُورَةِ لِوُرُودِ النَّهْيِ فِي غَيْرِ الْحَجِّ لِكَوْنِهِ فِعْلَ الْمَجُوسِ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي شَامَةَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ لِلتَّشْوِيهِ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ حَلْقُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ إثْمٌ فِي غَيْرِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَفِي حَيِّزِ الْمَنْعِ بِلَا رَيْبٍ كَيْفَ وَقَدْ «حَلَقَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَ ابْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» وَأَعْدَلُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ قَوْلُ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ لَا بَأْسَ بِحَلْقِهِ لِمَزِيدِ التَّنْظِيفِ وَلَا بِتَرْكِهِ لِمَنْ يَدَّهِنُ وَيَتَرَجَّلُ يَعْنِي مَنْ قَدَرَ عَلَى دَهْنِهِ وَتَرْجِيلِهِ فَبَقَاؤُهُ لَهُ أَوْلَى وَمَنْ عَسُرَ عَلَيْهِ لِضَعْفٍ وَفَقْرٍ فَيُلَبَّدُ وَيَتَوَسَّخُ وَيَجْمَعُ الْقَمْلَ فَحَلْقُهُ أَوْلَى.
وَأَمَّا فِي الْأُنْثَى فَحَلْقُهَا لَهُ مَكْرُوهٌ حَيْثُ لَا ضَرَرَ بَلْ إنْ مُفْتَرِشَةً وَلَمْ يَأْذَنْ الْحَلِيلُ حَرُمَ بَلْ عَدَّهُ فِي الْمَطَامِحِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَشَاعَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَلَقَتْ رَأْسَهَا بِلَا إذْنِ زَوْجِهَا سَقَطَ صَدَاقُهَا وَذَلِكَ صَرْخَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَذَا فِي الْفَيْضِ وَأَيْضًا عَنْ الدَّيْلَمِيِّ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَقْعَدُ الشَّيْطَانِ الْقَزَعُ فِي رُءُوسِ الصِّبْيَانِ» .
(وَحَلْقُ رَأْسِ الْمَرْأَةِ) عَرَفْت تَفْصِيلَهُ آنِفًا (وَلِحْيَةِ الرَّجُلِ) أَيْ وَحَلْقُ لِحْيَةِ الرَّجُلِ وَفِي التَّقْيِيدِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ إزَالَتَهُ لِلْمَرْأَةِ لَيْسَ بِآفَةٍ وَفِي الْجَامِعِ «قُصُّوا الشَّوَارِبِ وَاعْفُوا اللِّحَى» أَيْ وَفِّرُوهَا وَكَثِّرُوهَا مِنْ عَفْوِ الشَّيْءِ وَهُوَ كَثْرَتُهُ وَنَمَاؤُهُ فَحَلْقُهَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقُ فَالْحَلْقُ مُحَرَّمٌ فِي التتارخانية عَنْ التَّجْنِيسِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُحْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى» أَيْ قُصُّوا الشَّوَارِبَ وَاتْرُكُوا اللِّحَى كَمَا هِيَ وَلَا تَحْلِقُوهَا وَلَا تَقْطَعُوهَا وَلَا تُنْقِصُوهَا مِنْ قَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقَبْضَةُ انْتَهَى وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ مَنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ لِحْيَتَهُ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَفِي صَلَاةِ نَفْسِهِ كَرَاهَةٌ وَهُوَ مَلْعُونٌ وَمَرْدُودٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَمْ يُعْلَمُ لَهُ ثَبْتٌ وَمِثْلُهُ مَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ (وَقَصُّ أَقَلَّ مِنْ قَبْضَةٍ مِنْهَا) مِنْ اللِّحْيَةِ (وَلَوْ بِالْإِذْنِ) بَلْ بِالْأَمْرِ مِنْ صَاحِبِهَا وَعَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute