للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دهاهم عن غير اختيار، بل اعتراهم عن جبرٍ واضطرار، والمرءُ إنَّما يُلامُ على ما يستطيع من الأمور، لا على المقْضِيّ عليه والمقدور. فقد قيل: إن الحامل كانت ترى يوسف عليه الصلاة والسلام، فتضعُ حَمْلها، فكيف ترى هذه وضَعَتْهُ؟! أباختيارٍ كان ذلك أم باضطرارٍ؟

قال غيره: وهؤلاء النِّسوة قَطَّعنَ أيديَهنَّ لما بدا لهنَّ حسنُ يوسف عليه السلام وما تمكَّن حبُّه من قلوبهنَّ، فكيف لو شُغِفْن حُبًّا؟! وكان مُصْعَبُ بنُ الزُّبَيْر إذا رأته المرأة؛ حاضتْ لحسنه، وجماله. كما قال فيه الشاعر (١):

إنَّما مُصْعَبٌ شِهابٌ من الله ... تجلَّتْ عن وجهِه الظَّلْمَاءُ

ومن ها هنا أخذَ أحمدُ بن الحسين الكندي المتنبي قوله (٢):

تَقِ الله واستُرْ ذا الجمال بِبُرْقُعٍ ... فإن لُحْتَ حاضَتْ في الخدور العواتِقُ

فإذا كان هذا من مجرَّد الرؤية، فكيف بالمحبة التي لا تُمْلَك؟! وقال هشام بن عُرْوة عن أبيه: مات بالمدينة عاشقٌ، فصلى عليه زيد بن ثابتٍ، فقيل له في ذلك، فقال: إنِّي رَحِمْتُه. [٥٥ ب]


(١) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات في «ديوانه» (ص ٩١)، و «الكامل» للمبرد (٢/ ٨٢٧)، و «الشعر والشعراء» (١/ ٥٣٩)، و «الأغاني» (٥/ ٧٩)، و «خزانة الأدب» (٣/ ٢٦٨).
(٢) «ديوانه» (٣/ ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>