للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: حججْتُ سنةً من السنين، فإني لبالرَّبَذة؛ إذ وقفت علينا جاريةٌ على وجهها بُرْقُعٌ، فقالت: يا معشر الحجيج! نفَرٌ من هُذيل، ذهب بنعمهم السَّيلُ، وقعدت بهم الأيام، ما لهم نُجعَة، فمن يراقبُ فيهم الدَّار الآخرة ويعرفُ لهم حقَّ الأخوة؟ جزاه الله خيرًا! قال: فرضخنا لها، فقلت لها: هل قلتِ في ذلك شيئًا؟ فأنشأت تقول:

كفُّ الزمان توَسَّدَتنا عنوةً ... شَلَّت أناملُها عن الأعراب

قوم إذا حلَّ العُفاة ببابهم ... ألْفَوْا نوافلهم بغيرِ حساب

فقلتُ لها: لو أمتعتينا بالنظر إلى وجهك، فكشفت البُرْقُع عن وجهٍ لا تهتدي العقولُ لوصفه، فلما رأتنا قد بُهِتْنا لحسنها؛ أنشأت تقول:

الدَّهرُ أبدى صفحةً قد صانها ... أبوايَ قبلَ تمرُّس الأيَّامِ

فتمتَّعوا بعيونِكم في حُسْنِها ... وانْهَوْا جوارِحَكُمْ عن الآثام

ثم انصرفت.

وكان محمدُ بن حميد الطوسي (١) يهوى جاريةً، فأرسل إليها مرَّةً أُتْرُجَّةً، فبكتْ بكاءً شديدًا، فقيل لها: يُوجِّه إليك من تُحبِّينه بهدية، فتبكين هذا البكاء؟ فغنَّت (٢):

أهدى له أحبابُه أُتْرُجَّةً ... فبكى وأشفق من عِيَافَةِ زاجرِ


(١) أخرجه الخرائطي (ص ١٩٥ - ١٩٧).
(٢) البيتان للعباس بن الأحنف في ديوانه (ص ١٥٠)، وزهر الآداب (٢/ ٩٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>