حدثنا عبد الملك بن عمير قال: كان أخوان من ثقيف من بني كُنَّة بينهما من التَّحاب شيءٌ لا يعلمه إلا الله، وكلُّ واحد منهما أخوه عنده عدلُ نفسه، فخرج الأكبر منهما إلى سفرٍ له وله امرأةٌ، فأوصى أخاه بحاجة أهله، فبينا المقيم في دار الظاعن؛ إذ مرَّت امرأة أخيه في درع تجوز من بيتٍ إلى بيت، وكانت من أجمل البشر، فرأى شيئًا حيَّره، فلمَّا رأته؛ ولولت، ووضعت يدها على رأسها، ودخلت بيتًا، ووقع حبُّها في قلبه، فجعل يذوب، وينحلُ جسمه، ويتغيَّر لونه. وقدم أخوه، فقال: مالك ياأخي مُتغيِّرًا! ما وجعك؟ قال: ما فيَّ من وجع، [١٣٣ أ] فدعا له الأطبَّاء، فلم يقفْ أحدٌ على دائه غيرُ الحارث بن كلدة، وكان طبيبًا، فقال: أرى عينين صحيحتين، وما أدري ما هذا الوجع، ما أظنُّه إلَّا عاشقًا! فقال له أخوه: سبحان الله! أسألك عن وجع أخي، وأنت تستهزئ بي! فقال: ما فعلتُ! وسأسقيه شرابًا عندي، فإن يك عاشقًا فسيبين لكم، فأتاه بشرابٍ، فجعل يسقيه قليلًا قليلًا، فلمَّا أخذه الشَّراب؛ هاج، وقال:
ألِمَّا بي على الأبيا ... ت من خيف نزُرْهُنَّه
غزالٌ ما رأيتُ اليو ... م في دُور بني كُنَّهْ
أسِيلُ الخدِّ مربوبٌ ... وفي منطِقه غُنَّه
فقال: أنت طبيبُ العرب، فبمن؟ قال: سأعيد له الشراب، ولعلَّه يسمِّي، فأعاد له الشَّراب، فسمَّى المرأة، فطلقها أخوه؛ ليتزوَّجها، فقال المريض: عليَّ كذا وكذا إنْ تزوَّجتُها، فقضى، ولم يتزوَّجْها.