للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الرَّبيع بن زياد (١): رأيتُ جارية عند قبرٍ، وهي تقول:

بنفسي فتًى أوفى البريَّةِ كلِّها ... وأقواهُمُ في الموتِ صبرًا على الحبّ

فقلت: بم صار أوفاهم، وأقواهم؟ قالت: هويني، فكان أهلي إن جاهر بحبِّي لاموه، وإن كتمه عنَّفوه، فلمَّا أخذه الأمر؛ قال:

يقولون إنْ جاهرتُ قد عضَّك الهوى ... وإنْ لم أَبُحْ بالحبِّ قالوا تصبَّرا

وليس لمنْ يهوى ويكتُم ما به ... من الأمر إلَّا أن يموت فيُعذرا

ولم يزل يُردِّد هذين البيتين حتى مات، فوالله يا هذا! لا أبرحُ، أو يتَّصل قبرانا. ثم شهقت شهقة، فصاح النِّساء، وقُلْن: قد قضت. والذي اختار لها الوفاة! فما رأيت أسرع، ولا أوحى من أمرها.

قال ابن الدُّمَيْنة (٢):

وبتنا فُوَيقَ الحيِّ لا نحنُ منهمُ ... ولا نحنُ بالأعداء مُختلطان

وبات يقينا ساقطَ الطَّلِّ والنَّدى ... من الليل بُرْدَا يُمْنة عطرانِ

نذُودُ بذكر الله عنَّا غوى الصِّبا ... إذا كان قلبانا له يردان

ونصْدُر عن ري العفاف وربَّما ... نقعْنا غليل الحُبِّ بالرَّشفان


(١) رواه الخرائطي (ص ١٩٢)، وابن الجوزي (ص ٥٢٧ - ٥٢٨).
(٢) ديوانه (ص ٢١٠ - ٢١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>