الاستقصاء، أو العجز عن فهم أصول الإسلام وأمرها يسير، ويمكن المراجعة فيه والنظر، إذا كان صاحبه حريصًا على بلوغ الحق، أما حين يكون الاتهام صادرًا عن التعصب أو الخصومة المغرقة، فإن المراجعة لا قيمة لها.
وإذا كانت عبارات جولد تسيهر في مجموعها ترفض صلاحية الإسلام الفقهية لكي يشرع للأمم والأجناس، فليس معنى هذا هو عجز الرجل عن الفهم، وإلا فإن أمامه ذلك الفيض الضخم من ثقافة الإسلام وهو قادر على أن يرده عن هذا الرأي، لو كان منصفًا ولكنه هو أساسًا ليس قابلاً للوصول عن طريق البحث العلمي إلى الحقيقة؛ لأنه يفترض أساسًا أن القرآن من وضع محمد نقلاً عن غيره، وأن السنة من وضع الصحابة والتابعين نقلاً عن الشريعة الرومانية. ومن هنا فهو يسد الطريق على كل سلامة في تقدير، أو بلوغ وجه الصدق أو تقبله. ولقد واجه أخطاء جولدتسيهر عالم غربي منصف هو العلامة (فتز جيرالد) في كتاب عنوانه "الدين المزعوم للقانون الروماني على القانون الإسلامي" فعرض آراء جولد تسيهر ومن جرى مجراه، فقال: إنه كان مدفوعًا في كتاباته بغرض سياسي خاص هو إظهار أن التشريع الإسلامي كان قابلاً للمؤثرات الغربية، وقال: أنه إذا أخذت فكرة عند شعب إلى شعب آخر، ظهر في لغة وكتابات الشعب الآخر أثر لهذه الفكرة. وهذا واضح مثلاً فيما أخذ عن اليونان في القانون الروماني، كما هو واضح كذلك في شريعة "التلمود" اليهودية المملوءة بالكلمات والمصطلحات اليونانية واللاتينية. أما في الإسلام فإنه لا يوجد لفظ واحد مستعار من اللغة اللاتينية أو اليونانية في القاموس الضخم للفقة الإسلامي وتشريعه، كما لا يوجد في جميع المؤلفات الفقهية الإسلامية أدنى ذكر لمصدر روماني علمي، وهذا أيضًا وحده مما ينفي فكرة كل استعارة من القانون الروماني، لذلك كله ترى أنه لا داعي مطلقًا الافتراض أن مصادر هذا التشريع كانت شيئًا آخر غير ما قاله