للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[* اللاعنف:]

أعجب مالك بن نبي بقصة (اللاعنف) عند غاندي، فهو يذكرها دائمًا، بل يذكرها بخشوع، ويبني عليها أحلامه الفلسفية في السلام العالمي، واتجاه العالم نحو مناقشة قضاياه بالمسلم والحوار والفكر، يقول عن منطقة جنوب شرقي آسيا: "هي مجال إشعاع الفكر الإسلامي وفكرة اللاعنف، أي مجال إشعاع حضارتين: الحضارة الإسلامية والحضارة الهندوكية، الحضارتان اللتان تختزنان أكبر ذخيرة روحية للإنسان اليوم" (١).

ويحلق في الخيال والطوباوية عندما يقول: "فكذلك رفات غاندي التي ذروها فإن الأيام ستجمعها في أعماق ضمير الإنسان من حيث سينطلق يومًا انتصار اللاعنف ونشيد السلام العالمي" (٢). "هذا الرجل (غاندى) كان يتقمص إلى درجة بليغة الضمير الإنساني في القرن العشرين" (٣).

إن فكرة (السلم العالمي) بمعنى أن يحل السلام في العالم بشكل دائم، أو أن العالم يتجه نحو هذا الهدف، هذه الفكرة غير واقعية وغير شرعية، وهي فكرة خيالية محضة، فهي تنافي مبدأ الصراع الذي ذكره القرآن الكريم {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة: ٢٥١]، كما تنافي مبدأ الجهاد في الإسلام، وهي غير واقعية لأن من طبيعة البشر التغالب والعدوان إن لم يردعهم رادع، والدول الكبيرة القوية تأكل الضعيفة إن لم يكن عسكريًّا فاقتصاديًّا. والبشرية لن تبلغ رشدها في عمرها الثالث فتصبح الفكرة ذات قيمة في حد ذاتها كما يتصور مالك بن نبي (٤)، بل إنها كثيرًا ما


(١) "في مهب المعركة" (ص ٨٧).
(٢) المصدر السابق (ص ٢٠٨).
(٣) المصدر السابق (ص ٢٠٧).
(٤) "إنتاج المستشرقين" (ص ٣٥).