فما الذي حمل المؤلف على ربط منابع النور بمواضع الخطيئة يا ترى؟!
إنها ملاحظة ذات خطر، وإني لأحتفظ بما فهمته منها، وما أردت إلا أن أشرك معي القارئ في الحيرة، ولعله يفهم مثلما فهمت؟!
[* الملاحظة التاسعة - الاختيار والترك:]
عرف قارئ هذه الدراسة أن الفصول الأربعة الأولى: أدهم، وجبل، ورفاعة، وقاسم، تتناول أحداثا واقعية لها وجود حقيقي في التاريخ، وهي تمثل -كما تقدم- حركة التاريخ الديني النبوي وتطوراته. وقد لاحظنا أن المؤلف يقف من وقائع هذا التاريخ موقفا معينًا يقوم على سمتين بارزتين:
إحداهما: الأخذ، والأخرى: التَّرك: أي يأخذ بعض وقائع ذلك التاريخ، ويترك بعضًا آخر في رسم صور "الأشخاص" الأربعة، الذين تحدث عنهم، وهم:
آدم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله عليه وسلم -، فما أكثر ما تركه من سيَر هؤلاء الرُّسُل الكرام، فمما تركه في "أدهم" المنهجِ الذي حدده الله لعمارة الأرض بعد الهبوط {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٣٨، ٣٩].
- ومما تركه في "جبل" فلق البحر وعبور موسى وبني إسرائيل إلى سيناء، وغرق فرعون وآله، ورفع الجبل فوقهم، ووزارة هارون لموسى.
- ومما تركه في "رفاعة" حديث المائدة والكلام في المهد.
- ومما تركه في "قاسم" الإسراء والمعراج، وحصار شعب بني عامر، ومع هذا الترك، فإن ما ذكره كان كافيا جدًّا في تحديد "حقيقة" كل شخصية من الأربعة المذكورين.