و"هزيمة" لأعدائها، وأنه دلالة على قوة الحداثيين وقدرتهم على التأثير، أن الحكم جاء ثمرة خطابهم المدافع عن "حرية" التعبير وعن "الإبداع"، وأن منصة القضاء تأثرت (أو استجابت) لهذا الخطاب الحداثي.
وواقع الحال أن رد الفعل الرسمي من الدولة، لتبرير موقفها من نشر الرواية، كان مرعبًا ومخيفًا ومدعومًا بالمؤسسة الإعلامية الرسمية الضخمة والعاتية، وكانت شهادات الاتهام بـ "الظلامية" جاهزة لكل من هاجم الرواية أو اعتبرها إسفافًا لا إبداعًا .. حتى إن بعض من هاجموا الرواية في مستهل الأزمة، استجابوا للابتزاز الحداثي، وانقلبوا على أدبارهم في منتصف الطريق، خوفًا من أن ينالهم العلمانيون بأذى، وطمعًا في الإنعام الحداثي عليهم بلقب "المفكر المستنير"، وربما قد تأثر الحكم على "صلاح الدين محسن" بهذا المناخ، وبكل تفاصيله التي هدفت إلى ترويع النفوس والأفئدة غير أن هذا المشهد على الجهة الأخرى، كان أشد رعبًا للدولة، فالذي حدث كان أشبه ما يكون بـ "الاستفتاء العفوي" على شرعيتها، أي أن الأزمة وضعت "شرعية السلطة" على محك حقيقي، ونقلتها إلى اختبار بالغ الصعوبة، وأن عليها أن تختار، إما أن تستمد شرعيتها من "الحداثة" بنسختها المعادية للدين وللنسق القيمي العام للمجتمع، وإما أن تستمدها من دين الدولة الرسمي، والحاضن في الوقت ذاته، للمنظومة الأخلاقية والقيمية السائدة.
كانت قضية "صلاح الدين محسن"، هي المفصل الذي حسمت عنده الدولة خياراتها، حيث اعترضت النيابة العامة على الحكم (ستة أشهر مع وقف التنفيذ)، واعتبرته في "غاية الرأفة"، فيما رفض رئيس الوزراء د. عاطف عبيد المصادقة عليه، وقرر إعادة محاكمته، وقالت النيابة إن "كتبه تضمنت ازدراء للإسلام وإثارة للنقمة، ومسًا بالذات الإلهية، وإنه زعم أن