وتنزيههم عن الكذب والوضع، هذا هو الواقع والمعروف في هذه المسألة.
ولكن المؤلف لغرض في نفسه -سبق التنبيه إليه- يريد أن يشكك في هذه الحقيقة فزعم أولا أن (أكثر) النقاد عدلوا الصحابة، مع أن النقاد قاطبة عدلوهم لم يشذ في ذلك أحد.
وزعم ثانيًا: أن قليلاً منهم من أجرى على الصحابة ما أجرى على غيرهم، مع أن هؤلاء الذين تكلموا في الصحابة ليسوا من نقاد الحديث، ولكنهم من ذوي الأهواء والفرق المعروفة عند المسلمين، بالتعصب لبعض الصحابة على البعض الآخر.
وزعم المؤلف ثالثًا: أن هذا التعديل كان من أكثر نقاد الحديث، وخاصة المتأخرين منهم، مع أنه لم يؤثر عن أحد من المتقدمين من أهل العلم -من التابعين فما بعدهم- أنه طعن في صحابي أو ترك الحديث عنه، أو وضعه في ميزان الجرح والتعديل.
وهناك ثلاثة مزاعم يأتي بعضها إثر بعض، ليس من ورائها إلا تهوين القول بعدالة الصحابة على الإطلاق، وتجرؤ ذوي الأهواء في حقهم، إذ روي عن أولئك الأصحاب ما يخالف أهواءهم، مع أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم حماة الدين ونقلة السنة أمناء الشريعة.
لم يكتف المؤلف بهذا، بل زاد على ذلك زعمًا آخر تأكيدًا لما رمى إليه، وتقريرًا له في نفس القارئ، حيث قال بعد ما تقدم:
"ويظهر أن الصحابة أنفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضًا موضع النقد وينزلوا بعضهم منزلة أسمى من بعض .. إلخ".
وحاصل كلامه في هذا الموضوع أن الصحابة -رضي الله عنه- كان يشكك بعضهم في صدق بعض ويضع بعضهم بعضًا موضع النقد. وما ذكره أحمد أمين من أن الصحابة كان بعضهم يضع بعضًا موضع النقد، مع أن كل ما كان يقع