للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للشهامة أو النخوة في مصر، مما ظهر أثره عند غزو الإنكليز لها، فيقول:

"حمل الأهالي على الزراعة، ولكن ليأخذ الغلات. ولذلك كانوا يهربون من ملك الأطيان كما يهرب غيرهم من الهواء الأصفر والموت الأحمر، وقوانين الحكومة لذلك العهد تشهد بذلك.

يقولون إنه أنشأ المعامل والمصانع. ولكن هل حبب إلى المصريين العمل والصنعة حتى يستبقوا تلك المعامل من أنفسهم؟ .. وهل أوجد أساتذة يحفظون علوم الصنعة وينشرونها في البلاد؟ .. أين هم؟ .. ومن كانوا؟ .. وأين آثارهم؟ .. لا .. بل بغّض إلى المصريين العمل والصنعة بتسخيرهم وفي العمل والاستبداد بثمرته. فكانوا يتربصون يومًا لا يعاقبون فيه على هجر المعمل والمصنع لينصرفوا عنه ساخطين عليه، لاعنين الساعة التي جاءت بهم إليه.

يقولون إنه أنشأ جيشًا كبيرًا فتح به المالك ودوّخ به الملوك. وأنشأ أسطولاً ضخمًا تثقُل به ظهور البحار، وتفتخر به مصر على سائر الأمصار، فهل علّم المصريين حب التجنّد، وأنشأ فيهم الرغبة في الفتح والغلب، وحبّب إليهم الخدمة في الجندية، وعلّمهم الافتخار بها؟ .. لا .. بل علّمهم الهروب منها، وعلّم آباء الشبان وأمهاتهم أن ينوحوا عليهم معتقدين أنهم يساقون إلى الموت بعد أن كانوا ينتظمون في أحزاب الأمراء ويحاربون ولا يبالون بالموت أيام حكم المماليك .. هل شعر مصري بعظمة أسطوله أو بقوة جيشه؟ وهل خطر ببال آحد منهم أن يضيف ذلك إليه، بأن يقول: هذا جيشي وأسطولي، أو جيش بلدي وأسطوله؟ .. كلا .. لم يكن شيء من ذلك .. فقد كان المصري يعد ذلك الجيش وتلك القوة عونًا لظالمه، فهي قوة لخصمه.

ظهر هذا الأثر عندما جاء الإنكليز لإخماد ثورة عرابي. دخل الإنكليز