التي شرعها الله للناس فى الأدب بالقرآن فجعلوا الأدب للغواية بعد أن كان للهداية وجعلوه للشيطان بعد أن كان لله، ومثله كان ابن الراوندي وغيره من أهل الأهواء.
يتعرض الدكتور زكي مبارك في كتابه النثر الفني للدين بما لا يمكن أن يقره عليه عاقل ولا دين وبما يخالف الكتاب والسنة والإجماع عند المسلمين يتعرض لا لجزئية من الجزئيات يجوز فيها الخلاف بل للأصول التي يقوم الدين بقيامها وينهدم بأنهدامها كأصل "إعجاز القرآن" وأن القرآن كتاب الله لا كتاب محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فنجده في أول فصل من فصول الكتاب يعيب على علماء العربية أنهم حين تعرضوا لنقد القرآن لم يذكروا إلا المحاسن.
وفي هذا خرج على علماء العربية وعلى الإجماع، إذ أن النقد عنده أن يقف الباحث أمام الأثر الأدبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب، وهذا صحيح ولكن في نقد كلام الناس لا كلام الله، ولو كان القرآن كلام بشر لكان أثرًا أدبيًّا لصاحبه، أما وهو كلام الله خالق البشر أنزله سبحانه معجزة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وتحدى به كل شاك فيه من العرب وغير العرب، بل تحدى به الجن والإنس على اختلاف العصور، فكيف يمكن أن يقف الناقد أمامه إلا كما يقف العالم أمام آية من آيات الله في الأرض أو في السماء؟
إن العهد الذي كان ينظر فيه في القرآن نظرة تطلب العيوب قد مر بالفعل، مر إلى غير رجعة، والذين نظروا في القرآن تلك النظرة التي يدعو إليها الدكتور زكي مبارك كانوا أقدر منه ألف مرة على إدراك أي عيب لو وجدوه، وأبصر بنقد الكلام لأنهم كانوا أهل العربية الفصحى.
افترض الدكتور زكي مبارك أن القرآن أثر جاهلي وزعم أن للعرب في الجاهلية نهضة علمية وأدبية وسياسية وأخلاقية واجتماعية كان الإسلام تاجًا لها، أي أن الإسلام نتيجة وتمامًا لتلك النهضة لا سببًا لها.