للمرأة من خلال قيام النساء بالمساهمة الفعالة وأدوار الزعامة والقيادة في المجتمع بما في ذلك المجالين الحربي والديني، وقد تقلص هذا الاستقلال وتلك المساهمات مع نشأة الإسلام وخاصة بفعل مؤسسة الزواج الأبوي بوصفه الزواج الشرعي الوحيد، وما تبع ذلك من تحولات اجتماعية لاحقة.
إن حياة وقصة زواج اثنتين من زوجات محمد وهما خديجة وعائشة، تحمل معالم التغيرات التي سرعان ما لحقت أوضاع النساء في المنطقة العربية الإسلامية، فقد كانت خديجة -زوجة محمد الأولى- أرملة ثرية استعانت بمحمد قبل زواجهما لرعاية قافلتها التجارية في رحلاتها بين مكة وبلاد الشام، وقد عرضت عليه الزواج وتزوجته بالفعل وهي في الأربعين من عمرها بينما كان هو في الخامسة والعشرين، وظلت زوجته الوحيدة حتى وفاتها في الخامسة والستين من عمرها. وتحتل خديجة مكانة بارزة في الإسلام لما احتلته من مكانة في حياة محمد. فقد وفر ثراؤها على محمد ضرورة التفرغ لكسب الرزق ومكنه من التفرغ لحياة التأمل التي جاءت تمهيدًا لنبوته، كما كانت مساندتها له وثقتها في نبوته ذات أهمية بالغة في تشجيعه على الإجهار بالدعوة إلى الإسلام. وقد كانت خديجة قد تعدت الخمسين من عمرها حين نزل على محمد الوحي وبدأت الدعوة. وهكذا نجد أن طبيعة المجتمع الجاهلي وعاداته -وليس الإسلام- هي التي وجهت تصرفات خديجة وحددت معالم حياتها، واستقلالها الاقتصادي وعرضها الزواج على محمد دون وصي من الرجال يقوم بدور الوساطة، وزواجها برجل يصغرها بسنوات عديدة، وبقاؤها الزوجة الأولى والوحيدة لزوجها في حياتها، إنما تعكس كلها معًا ممارسات مجتمع الجاهلية لا الإسلام.
وعلى العكس من ذلك، غابت استقلالية النساء وأحادية الزواج في حياة النساء اللاتي تزوجهن محمد بعدما أصبح نبي الإسلام وزعيم الأمة.