للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هي الرحمة" (١)، ويقول: "فرسالة محمد ليست كرسالة موسى، رسالة تشريع، وإنما هي رسالة رحمة ورسالة أخلاق، بحيث يعد التشريع صفة تالية، ثانوية، غير أساسية .. وإن دفع رسالة محمد لتكون رسالة تشريع أصلاً وأساسًا -مع أنها ليست كذلك- هو اتجاه يجعل من الإسلام صيغة عربية لليهودية، أو اتجاه يفهم الإسلام بمنطق الإسرائيليات" (٢).

وهذا جهل منه -إن حسنت نياته وما أظنها تحسن- وإن كان قد استند إلى قول مقاتل بن سليمان الذي جعل آيات الأحكام خمسمائة، فإن مقاتل لم يدع أن هذه الآيات الخمسمائة هي كل آيات الأحكام، وإنما رآها الدالة دلالة ظاهرة على الأحكام، لا التي "تحصر الأحكام في القرآن الكريم".

وبعبارة الزركشي "ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات، لا بطريق التضمن والالتزام".

أما عبارة ابن دقيق العيد فإنها تقول: "إن الأمر غير منحصر في هذا العدد، بل هو مختلف باختلاف القرائح والأذهان، وما يفتحه الله على عباده من وجوه الاستنباط" (٣).

ولقد صيغ هذا العنى صياغة واضحة وحاسمة، قالت عن القرآن الكريم: "إنه لا يخلو شيء منه عن حكم يُستنبط منه" .. ؛ ذلك لأن الذين ذكروا أن الآيات -التي تتعلق بالأحكام خمسمائة آية- كأنهم أرادوا ما هو مقصود به الأحكام بدلالة المطابقة، أم بدلالة الالتزام فغالب القرآن، بل كله؛


(١) "أصول الشريعة" للعشماوي (ص ١٧٩، ١٨٠).
(٢) "الإسلام السياسي" (ص ٤٥).
(٣) "البحر المحيط" للزركشي (٦/ ١٩٩) تحرير د. عبد الستار أبو غدة - طبع وزارة الأوقاف - الكويت.