للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصرانية المسلمين. ولا غرو فإنه لتأثره بالمادية الغربية التي لا تؤمن بما وراء المحسوس المشاهد، لم يستطع أن يتخلص من بقاياه الجاهلية، فأقبل في الإسلام على العصرانية يؤول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس وأذواق الغرب. ويقدم لنا محمد أسد -تمامًا كسيد خان- نموذجًا متكاملاً للفكر العصراني الإسلامي، إذ لم يقتصر فكره في دائرة واحدة من دوائر الإسلام، بل شمل العقائد والتفسير والحديث والفقه. ونقدم هنا أمثلة قليلة من ذلك.

المفتاح الأساسي لفهم القرآن في نظره هو في الآية السابعة من آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يقول: "فهذه الآية هي التي تجعل رسالة القرآن سهلة التناول (لقوم يتفكرون) " وهو يعرف المتشابه بأنه تلك الآيات التي جاء التعبير فيها بطريقة مجازية، والتي تتضمن معنى رمزيًّا لا يمكن الإفصاح عنه مباشرة، ولو في كلمات كثيرة. أما لماذا يحتوي القرآن على المتشابه فيقول؛ لأنه يتحدث عن عالم "الغيب" ذلك العالم الذي هو وراء إدراك البشر الحسي، ولمّا كان العقل البشري لا يدرك الأشياء، ولا تكون عنده معرفة إلا من خلال تجاربه الماضية (هكذا يقول)، فلا يمكن نقل معاني "الغيب" له إلا باستعارة أمثلة وتشبيهات تؤخذ من نفس هذه التجارب، أو كما يقول الزمخشري: "تمثيلاً لما غاب عنا بما نشاهد"، ثم يقفز من ذلك إلى النتيجة التالية "وهكذا يبين لنا القرآن بوضوح أن كثيرًا من تعبيراته وآياته يجب أن تفهم باعتبار أنها متشابهة، لسبب بسيط وهو أنها لتخاطب العقل البشري فلا يمكن أن تخاطبه بغير هذه الطريقة، فإذا أخذنا كل تعبير في القرآن وكل كلمة وكل آية بمعناها الظاهري الحرفي، وغضضنا الطرف عن احتمال أن تكون متشابهة، أو رمزًا أو مثالاً، فإننا نسيء إلى روح النص القرآني ذاته" (١).


(١) صلى الله عليه وسلمsad, the Message of the Quran P. ٦٦. ٩٨٩