للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليست علوم الوحي الإسلامي، وهي محكومة بحقائق العلم كما يقررها عقل العالم المسلم وليس المرجع في صحتها تفسيرًا أو تخريجًا يقتحم به دعي ميادين هذه العلوم .. فليست هناك "كيمياء" مسلمة وأخرى كافرة .. وليس هناك "جبر" مؤمن وآخر كافر .. لأن وصف كل هذه العلوم "بالإسلامية" إنما هو بالمعنى الحضاري وليس بالمعنى الديني؛ لأن الإسلام كحضارة قد شمل ميادين أكثر عددًا وأوسع مدى من تلك التي امتد إليها نطاق الإسلام كدين .. فالإسلام يقرر "مدنية" السلطة السياسية في المجتمع، ويؤكد على "بشريتها"، وذلك عندما يقرر أن الطريق إلى تولي هذه السلطة هو شورى البشر، والاختيار والعقد والبيعة. وعندما يؤكد على نيابة الحاكم عن الأمة، ومسئوليته تجاهها وأمامها .. وهو في ذات الوقت لا يرى "الفصل" بين الدين والدنيا؛ لأنه -باعتراف الجميع- قد تناول عددًا من الأحكام وأشار إلى كثير من أمور الدنيا فاتخذت لنفسه فيها موقفًا، وقرر للحياة الاجتماعية عددًا من القواعد الكلية، المتمثلة في "مقاصد الشريعة" وآيات الأحكام التي قننت "للثوابت" دون "المتغيرات" ثم طلب من الناس أن يعيشوا ويتحركوا وأن يطوروا حياتهم ومجتمعاتهم في إطار هذه القواعد الكلية والوصايا الإلهية العامة، التي هي أشبه ما تكون بالمثل العليا والأطر الجامعة التي حددها الله للناس كي لا يضلوا عنها ولا يتنكبوا الطريق الموصل إلى تحقيقها أو الاقتراب منها على أقل تقدير .. ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبير الأدق عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية، أي ينكر "وحدة" السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا يفصل بينهما، وإنما هو "يميز" بينهما. فالتمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام.

فاستبعاد الدين ونفيه من نطاق العوامل الحاكمة والمؤثرة في المجتمع