السعادة الإنسانية، بل "جزاؤه الأوفى" هو في تدرجه في السيطرة على نفسه، وفي تفرده وقوة نشاطه بوصفه روحًا، حتى أن منظر الفناء الكلي الذي يسبق يوم الحساب مباشرة، لا يمكن أن يؤثر في كمال اطمئنان الروح التي اكتملت نموًا:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ}[الزمر: ٦٨].
ومن يكون أولئك الذين ينطبق عليهم هذا الاستثناء، إلا الذين بلغت أرواحهم منتهى القوة. فالإنسان في نظر القرآن متاح له أن ينتسب إلى معنى الكون وأن يصير خالدًا .. إن كائنًا اقتضى تطوره ملايين السنين ليس من المحتمل إطلاقًا أن يلقى به كما لو كان من سقط المتاع. وليس إلا من حيث هو نفس تتزكى باستمرار، إذ يمكن أن ينتسب إلى معنى الكون: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: ٧ - ١٠].
وكيف تكون تزكية النفس وتخليصها من الفساد؟ إنما يكون ذلك بالعمل {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: ١، ٢]، فالحياة تهيئ مجالاً لعمل النفس، والموت هو أول ابتلاء لنشاطها المركب.
وليست هناك أعمال تورث اللذة، وأعمال تورث الألم، بل هناك أعمال تكتب للنفس البقاء أو تكتب لها الفناء. فالعمل هو الذي يعدّ النفس للفناء أو يكيفها لحياة مستقبلة. ومبدأ العمل الذي يكتب للنفس البقاء هو احترامي للنفس فيّ وفي غيري من الناس. فالخلود لا نناله بصفته حقًّا لنا، وإنما نبلغه بما نبذل من جهد شخصي.
والبعث إذن ليس حادثًا يأتينا من خارج. بل هو كمال لحركة الحياة في داخل النفس. وسواء أكان البعث للفرد أم للكون، فإنه لا يعدو أن يكون نوعًا من جرد البضائع أو الإحصاء لا أسلفت النفس من عمل، وما بقيت