ورسول الله ﷺ هو المظهر العملي لشريعة الله تعالى، فهو المكلف الأول: ﴿وأنا أول المسلمين﴾ /الأنعام: ١٦٣/. ﴿وأنا أول المؤمنين﴾ /الأعراف: ١٤٣/. وهو القدوة الصالحة: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة﴾ /الأحزاب: ٢١/. وهو الذي يتلقى الوحي من السماء: ﴿وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ /النجم: ٣ - ٤/. وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، وهو الذي قذف الله النور في قلبه، وأجرى الحق على لسانه، وجعل طاعته من طاعته، ومعصيته معصية له سبحانه: ﴿ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا﴾ /النساء: ٨٠/.
لهذا كله كانت السنة المطهرة، في مجمل أحكامها وتشريعاتها - من حيث وحوب العمل بها - بمنزلة كتاب الله تعالى، فما ثبت فيها فهو ثابت بوحي من الله سبحانه، وأمر منه وتكليف: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾ /الحشر: ٧/. وعليه فالسنة حجة على المسلمين بلا خلاف، وقد أجمع علماء الأمة على أن من أنكر حجتيها عموما فهو كافر مرتد عن الإسلام.
وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد للمسلمين من الرجوع إلى ما نقل عنه ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، والأخذ بما ثبت منه، ليعمل به. ولقد بذل السلف الصالح من العلماء جهودا مشكورة في خدمة دين الله ﷿، فدونوا لنا أحاديث رسول الله ﷺ في مصنفات، تنوعت أساليبها واختلف شروطها، وكان من أفضها وأصحها [الجامع الصحيح] لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الذي تلقته الأمة بالقبول، وأولته عناية الدراسة والتقرير، وتناولته بالشرح تارة والاختصار تارة أخرى. واقبل عليه طلاب العلم يقرؤون متنه، ويحفظونه عن ظهر قلب. ولا غرابة، فهو المرجع الثاني - بعد كتاب الله ﷿ في دين الله تعالى، وهكذا نجد المدارس والجامعات في العالم الإسلامي، ما زالت تعنى به دراسة وحفظا، وبعضها تقرره في مناهجها، ليقرأ من أوله إلى آخره في مختلف صفوفها.
واسم صحيح البخاري كما سماه مصنفه:(الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله ﷺ وسننه وأيامه).
وهذا الكتاب على مكانته وأهميته، واحتياج كل مسلم إليه - ولا نبالغ في القول إذا قلنا: يجب أن توجد في كل بيت مسلم نسخة منه على الأقل - هذا الكتاب لا نزال نجد أكثر طبعاته، إذا لم نقل جميعها، على النمط القديم، خالية من المزاي الفنية للطباعة الحديثة، تحشى الصفحة بالأبواب والأحاديث، الواحد تلو الآخر، دون