للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنشدنا أَبُو بَكْرِ بن دريد، وقرأنا أيضاً عليه:

أقبلن من أعلى فياف بسحر ... يحملن صلالاً كأعيان البقر

قوله: يحملن صلالاً، أى يحملن فحما يصل، أى يصوت.

وأعيان جمع عين.

وقرأنا عليه أيضاً لزيد الخيل:

نصول بكل أبيض مشرفى ... على اللاتى بقي فيهن ماء

عشية نؤثر الغرباء فينا ... فلا هم هالكون ولا رواء

يعنى أنهم يفتظون الإبل فيأخذون ما بقى فِي كروشها من الماء.

ومثله:

وشربة لوحٍ لم أجد لشفائها ... بدون ذباب السيف أو شفره حلا

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الرحمن، عَنْ عمه، قَالَ: بينما أنا سائر بناحية بلاد بني عامر، إذ مررت بحلة فِي غائط يطؤهم الطريق، وإذا رجل ينشد فِي ظل خيمة له وهو يقول:

أحقاً عباد الله أن لست ناظراً ... إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر

كأن فؤادى كلما مر راكب ... جناح غراب رام نهضاً إِلَى وكر

إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقة ... دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر

فيا راكب الوجناء أبت مسلما ... ولا زلت من ريب الحوادث فِي ستر

إذا ما أتيت العرض فاهتف بجوه ... سقيت عَلَى شحط النوى سبل القطر

فإنك من وادٍ إِلَى مرجب ... وإن كنت لا تزدار إلا عَلَى عفر

قَالَ: فأذنت له وكان ندى الصوت، فلما رآنى أومأ إِلَى فأتيته فقَالَ: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إى والله، فقَالَ: من أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم، قَالَ: فممن تكون؟ قلت: لا حاجة لك فِي السؤال عَنْ ذلك فقَالَ: أو ما حل الإسلام الضغائن وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى، قَالَ: فما يمنعك إذا؟ قلت: أنا امرؤ من قيس، فقَالَ: الحبيب القريب من أيهم؟ قلت: أحد بني سعد بن قيس، ثم أحد بنى أعصر بن سعد، فقَالَ: زادك الله قربا، ثم وثب فأنزلنى عَنْ حمارى، وألقى عنه إكافه وقيده بقراب خيمته، وقام إلي زند فاقتدح وأوقد ناراً، وجاء بصيدانةٍ فألقى فيها تمرا وافرغ

<<  <  ج: ص:  >  >>