قلت: بيده نبعة الشعر قابضاً عليها، قَالَ: فما أبقيت لنفسك شيئاً! قلت: بلى، والله يا أمير المؤمنين أنا مدينة الشعر التي يخرج منها ويعود إليها، ولأنا سبّحت الشعر تسبيحاً ما سبّحه أحد قبلي، قَالَ: وما التسبيح؟ قلت: نسبت فأطرفت، وهجوت فأرذيت، ومدحت فأسنيت، ورملت فأغزرت، ورجزت فأبحرت، فأنا قلت ضروباً من الشعر لم يقلها أحد قبلي: كذا أملى علينا أرذيت، وهو صحيح ومعناه أسقطت، لأنه هاجى فِي زمانه عدة من الشعراء فأسقطهم غير الفرزدق، والرذية: الساقطة من الإبل من الهزال أو من الإعياء.
قَالَ وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن الأنبارى، رحمه الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس أحمد بن يحيى النحوى، قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن شبيب، قَالَ: أنشدنا ابراهيم بن المنذر الحزامي:
فإنك لن ترى طرداً لحر ... كإلصاقٍ به طرف الهوان
ولم تجلب مودةً ذي وفاء ... بمثل البر أو لطف اللّسان
قَالَ: وأنشدا أيضاً أَبُو العباس:
وجاءت للقتال بنو هليك ... فسحى يا سماء بغير قطر
قَالَ أَبُو العباس: هؤلاء قوم استعظم الشاعر مجيئهم للقتال وصغر شأنهم عنده فقَالَ: فسحى يا سماء بغير قطر، يعني: بدم لا بقطر.
قَالَ: وقرأت عَلَى أبي عمر، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العباس، عَنِ ابن الأعرابى، قَالَ: يُقَال وشع فِي الجبل يشع وشوعاً، ووقل يقل وقولاً، وسند يسند سنوداً، وتوقّل وتوشّع إذا صعّد فِي الجبل، وأنشد لشيخ من بني منقذ:
ويلمّها لقحة شيخٍ قد نحل ... أبى جوارٍ دردقٍ مثل الحجل
حوساء فِي السهل وشوعٌ فِي الجبل ... فِي الصّيف حسيٌ وهي فِي المشتى وشل
الدردق: الصغار.
والحوساء: الشديدة الأكل.
وقوله: فِي الصيف لا ينقطع لبنها، وفي المشتى وشل، أي إذا انقطعت ألبان الإبل فلبنها يسيل كما يسيل الماء من أعلى الجبل، والوشل: ما يخرج بين الحجارة قليلاً قليلًا فشبه لبنها به.